خارطة طريق الأمم المتحدة في ليبيا: آمال معلّقة ومخاطر تهدد التنفيذ

أحيت الأمم المتحدة آمالاً بإعادة دفع العملية السياسية في ليبيا نحو الاستقرار بعد أكثر من عقد من الانقسام، لكن عقبات أمنية وسياسية ما زالت تهدد فرص تنفيذ خارطة الطريق، خاصة في طرابلس والمناطق الغربية.
اعتبر سياسيون وخبراء ليبيون أن الخطة الأممية خطوة إيجابية لكنها قد تواجه عوائق كبيرة نتيجة الفجوة بين المبادرات الدبلوماسية والواقع على الأرض.
عرضت رئيسة البعثة الأممية في ليبيا هنا تيتيه خارطة الطريق أمام مجلس الأمن، مؤكدة أن العملية السياسية يجب أن تركز على إجراء انتخابات عامة وتوحيد المؤسسات عبر نهج متسلسل، اعتماداً على توصيات اللجنة الاستشارية وملاحظات الليبيين ودروس فشل انتخابات 2021.
مضمون خارطة الطريق
أوضحت البعثة أن لجنة استشارية تعمل على المقترحات المتعلقة بالقضايا الخلافية في الإطار الانتخابي، وأن الجانب التنفيذي للمبادرة يمتد بين 12 و18 شهراً ويشمل ثلاث مراحل أساسية: إعداد إطار انتخابي تقني وسياسي قابل للتطبيق، توحيد المؤسسات عبر حكومة جديدة موحدة بين الغرب والشرق، وإطلاق حوار شامل لمناقشة القضايا وفتح مشاركة واسعة لليبيين.
أشارت تيتيه إلى أن الخطة تتضمن البحث عن بدائل في حال تعطيل أي خطوة وأن البعثة قد تتخذ تدابير لفرض المضي قدماً واعتبار الخطة ختاماً للمراحل الانتقالية، محذرة من أطراف تستغل الانقسام لعرقلة المسار الديمقراطي.
آليات التنفيذ
انتقد محللون غموض آليات التنفيذ والزمن المطلوب، واعتبروا أن تحديد فترة 12 إلى 18 شهراً لم يبين كيفية تطبيق الخطوات عملياً. أشار أيوب الأوجلي إلى أن قضايا مثل مصير مفوضية الانتخابات وتعديل الأطر القانونية والدستورية بقيت مثارة كما في 2021.
ورأت أمينة محجوب عضو المجلس الأعلى للدولة أن الإحاطة لم تقدم حلولاً نهائية وأن الاعتماد على مسودة دستور 2017 كان ينبغي أن يكون أساسياً لتجنّب تمديدات مؤسساتية جديدة، واتهمت البعثة بالاستفادة من استمرار المراحل الانتقالية.
ورفضت الهيئة التأسيسية التي أعدت مسودة 2017 ما تعتبره تجاوزاً لاختصاصاتها وأكدت أن مشروع الدستور هو المرجع الذي لا يجوز تجاوزه دون استفتاء شعبي.
أوضح الباحث محمد امطيريد أن المشكلة الأساسية ليست كتابة النصوص بقدر ما هي آليات تطبيقها في بيئة منقسمة أمنياً وسياسياً، معتبرًا الخارطة ترجمة لمحاولة كسر جمود ما بعد فشل 2021 عبر إطار قانوني موحد، حكومة مؤقتة ومسار حوار.
تشكيك في استجابة الفرقاء
اعتبر أعضاء في المجلس الأعلى للدولة أن خارطة الطريق ملامح غير مكتملة، حيث رصد أحمد اهمومة صعوبة تنفيذ بند تشكيل حكومة موحدة خلال شهرين وضرورة توافق بشأن المناصب السيادية التي تبقى مثار خلاف.
انتقد الأوجلي غياب إجابات شافية من الأطراف السياسية حول انخراطهم الفعلي في عملية التغيير، بينما رأى فرج دردور وضوحاً في المبادرة لكنه ربط نجاحها بدعم مجلس الأمن وبيئة وطنية مواتية، وهما عاملان متغيران ومزعزان.
توحيد السلطة التنفيذية وردود الفعل
قرأ محللون تدوينة عبد الحميد الدبيبة بأنها تبرز رغبته بالبقاء في المشهد السياسي وعدم تسليم السلطة، فيما رأى عثمان التايب أن الدبيبة يتمتع بحزام أمني قوي في الغرب قد يتحول إلى سلاح لإجهاض المبادرة عند التوتر.
أوضح الأوجلي أن ردود الفعل الرسمية متباينة بين ترحيب شرقي بضرورة سلطة تنفيذية موحدة وترحيب المنفي بمسارات قانونية واستمرار إصرار عقيلة صالح على شرعية حكومته المعيّنة، ما يعكس استمرار التمسك بالمواقف التقليدية.
انتقد خليفة الدغاري عدم تقديم البعثة مؤشرات لحل جذري خاصة في ملف المؤسسة العسكرية ودمج أو نزع سلاح المجموعات المسلحة، وهو ما يعرقل فعالية سلطة تنفيذية جديدة على كامل التراب الليبي.
الهجوم قرب مقر البعثة
سقط صاروخ قرب المقر الرئيسي للبعثة الأممية في طرابلس أثناء إحاطة تيتيه أمام مجلس الأمن، دون خسائر بشرية، وأعلنت وزارة داخلية حكومة الدبيبة أن محاولة الهجوم أُحبطت وضُبطت شاحنة بها صواريخ ومنصة إطلاق. اعتبر محللون الحادث رسالة سياسية موقوتة تفيد بقدرة أطراف على تعطيل المسار وفرض ضغط على البعثة.
رأى فرج دردور أن الاستهداف يهدف للضغط على البعثة وطردها لأن مهربي النفط والبشر يضرهم الاستقرار وإيجاد حكومة واحدة، بينما اعتبر الأوجلي أن الرسالة تقول إن فاعلين في طرابلس يمتلكون السلاح والقدرة على التهديد.
الخطر الأمني والبعد القبلي
حذر محللون من أن طرابلس ومدن الساحل الغربي قد تُدفع نحو الفوضى لإفشال خارطة الطريق، وأن الأطراف التي أجهضت مسار 2021 قد تسعى لتكرار أساليب تعطيل الحل السياسي. وتضمن السيناريو احتمال افتعال مناوشات بين تشكيلات مسلحة ونزاعات تساعد على تجميد المسار بحجة غياب بيئة آمنة.
أشار البعض إلى دور محتمل لقبائل في تصعيد المطالب عبر إضرابات على الحقول والموانئ النفطية لفرض شروط في أي تفاوض، بينما خفّض آخرون من أهمية البعد القبلي معتبرينه صوتاً يُستغل أحياناً دون امتلاك قوة مستقلة فعلية على الأرض.
سيناريوهان محتملان
عرض الأوجلي سيناريوهين: الأول قيام الدبيبة بمحاولة تأمين بقاءه عبر تصعيد أمني في طرابلس للسيطرة على الغرب، والثاني تكرار دورة المفاوضات واللجان (مثل 6+6) ثم استقالة مبعوث أممي جديدة تعيد الأزمة إلى نقطة الصفر كما حدث مع مبعوثين سابقين.
شروط نجاح ضيقة
رأى امطيريد أن نافذة الأمل ضيقة ومشروطة بثلاثة عناصر: اتفاق مكتوب وملزم بين مجلسي النواب والدولة حول الحكومة والقوانين الانتخابية، تفاهمات أمنية في العاصمة تمنع افتعال مواجهات، وضغط دولي منظم يجمع حوافز وعقوبات لضمان احترام الجدول الزمني.
اعتبر الأوجلي أن شرط تنفيذ عقوبات رادعة على المعرقلين هو المفتاح، وفي حال كانت العقوبات مجرد تهديد لن تنفذ خارطة الطريق، فيما شدد اهمومة على أهمية تدابير مجلس الأمن لردع المعرقلين لكنه لم يحددهم.
يبقى الخلاف قائماً بين الأطراف الليبية والمشهد محتقن، وتظل قدرة البعثة على ترجمة خارطة الطريق إلى واقع مرتبطة بمدى تطبيق الضغوط ووجود توافق داخلي فعلي وتوفر بيئة أمنية مستقرة.