محاولة لإحياء المكارثية: هل تعيد لورا لومر «الذعر الأحمر» إلى أميركا؟

انطلقت في الولايات المتحدة قبل أكثر من سبعين عاماً إحدى أكثر الحملات السياسية إثارة للجدل، حين قاد السيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي سلسلة تحقيقات اتهم فيها مسؤولين ومثقفين وفنانين بـ”التعاطف مع الشيوعية”، وتحولت تلك الحملة التي عُرفت لاحقاً بـ”المكارثية” إلى مرجع للتشهير والاتهام بلا أدلة وفصل من لا يروقون بشكل مهين.
دافعت الناشطة اليمينية لورا لومر مؤخراً في مقابلة مع مجلة أميركية عن دورها في إقناع الرئيس دونالد ترمب بإقالة مسؤولين من إدارته بسبب ما وصفته بـ”عدم الولاء” له، وقالت إنها تسعى لإعادة إحياء أساليب مكارثي. ذكر تقارير صحافية أن اجتماعاً قصيراً داخل المكتب البيضاوي بين لومر وترمب حثّها خلاله على “تطهير” الإدارة، وما لبث أن تلت ذلك إقالات في مجلس الأمن القومي، في حين نفى ترمب ارتباط قراراته بتوصياتها ووصفها بأنها “شديدة الوطنية”.
أشارت تقارير إلى أن لومر أمضت جزءاً كبيراً من عام 2025 في استهداف مسؤولين في وكالات فيدرالية، ومحاولات إزاحتهم عبر التشكيك بولائهم السياسي بدلاً من الأداء المهني. وراحت لومر تعلن نجاحاتها على وسائلها، مؤكدة تطابق عدد من الإقالات مع قوائم أو تحقيقات نسبت إليها.
المكارثية فصل مظلم في التاريخ الأميركي
برزت في أوائل خمسينيات القرن الماضي موجة من الخوف من الشيوعية، فادّعى السيناتور جوزيف مكارثي أنه يملك قوائم بأسماء “شيوعيين” داخل مؤسسات حكومية، وبدأ سلسلة استجوابات عامة أمام لجنة التحقيق في الأنشطة المعادية لأميركا. شملت قوائمه أكاديميين ودبلوماسيين وفنانين، وكثيرون فقدوا وظائفهم أو تضررت سمعتهم رغم عدم وجود أدلة قاطعة، كما حدث مع علماء ومتنفذين في الفن.
انقلب الرأي العام ضد مكارثي بعد اتهامه ضباطاً في الجيش واندلاع مواجهة مع محامٍ حكومي شهير الذي وبّخه علناً، ثم جرّت عليه اتهامات بإساءة استخدام السلطة فصوّت الكونغرس على توبيخه عام 1954، ثم تراجع تأثيره السياسي حتى وفاته عام 1957.
تأثير لومر على قرارات ترمب
قالت لومر إن هزيمة ترمب في ولايته الأولى كانت جزئياً نتيجة “ضعف تدقيق” في خلفيات المعينين، ورأى ترمب لاحقاً ضرورة المشددة على فحص مواقف المرشحين في ولايته الثانية. ذكر بعض التقارير أن لومر تحظى بمكانة خاصة لدى ترمب وأنه لا يكتفي بالاستماع إلى توصياتها بل ينفذها أحياناً، حيث تطابقت عدة إقالات في وزارة الأمن الداخلي ووكالات أخرى مع اتهامات نشرتها هي سابقاً.
انتقدت لومر استقبال أطفال مصابين من قطاع غزة لتلقي العلاج في الولايات المتحدة ووصفت ذلك “تهديداً للأمن القومي”، وبعد يوم أعلنت وزارة الخارجية تعليق تأشيرات القادمين من غزة لإجراء مراجعة، واعتبرت لومر ذلك استجابة لتعليقاتها. تنحدر لومر من عائلة يهودية في فلوريدا وتُعد من أبرز المؤيدين للمواقف الإسرائيلية في النزاع الأخير.
مع ذلك، لم يلبِ ترمب كل مطالبها؛ فقد اعترضت لومر على ترشيحه لطبية لمنصب الجراح العام ووصفت مرشحين آخرين بأنهم جزء من “طليعة ماركسية”، لكن ترمب أبقى دعمه لبعض الترشيحات التي عارضتها لومر.
لم تقتصر المدافعات عن إعادة مكارثية على لومر، بل تكررت تصريحات مماثلة من شخصيات يمينية مؤثرة أخرى، ما أعاد النقاش حول استخدام اتهامات الولاء كأداة سياسية.
مسيرة لومر وخلافاتها
اشتهرت لومر بعد أحداث عدة؛ احتجزت شرطة نيويورك في 2017 إثر مقاطعتها عرضاً مسرحياً احتجاجاً على مشاهد تشبه الرئيس، ونشرت تغريداتٍ اعتبرت معادية للمسلمين ما أدى إلى حظرها من خدمات نقل مشتركة. خاضت انتخابات تمهيدية للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للكونغرس في 2022 و2024 وخسرت مرتين، وفي الأخيرة رفضت الاعتراف بالهزيمة.
انخرطت لومر بقوة في حملة ترمب الرئاسية وقدّمت تصريحات مثيرة للجدل ونظريات مؤامرة، كما نسبت إليها تقارير دفعها لترمب لاتخاذ إجراءات تجاه حماية بعض أفراد عائلات خصوم سياسيين وإقالة مسؤولين أمنيين وأكاديميين. تصف لومر نفسها صحافية استقصائية ومقدمة بودكاست ومستشاراً غير رسمي للرئيس، وتقود شركة أبحاث واستشارات تقدم خدمات تدقيق خلفيات للمرشحين وتحظى بعملاء أثرياء زاد عددهم منذ بداية 2025.