إيران بعد الحرب: أمة تصارع الأزمات تحت وطأة عقوبات متجددة

تعاني إيران بعد شهرين من حرب قصيرة وعنيفة استمرت 12 يوماً من تبعات داخلية وخارجية قاسية وغير مسبوقة.
الأوضاع الاقتصادية والمعيشية
سجل التضخم السنوي مستويات مرتفعة، حيث أعلن مركز الإحصاء أن معدله بلغ 34.5% في يونيو 2025 ثم 35.3% في يوليو، بينما قفزت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 5% شهرياً، والبنك الدولي قدر معدل التضخم السنوي لعام 2024/2025 بنحو 35.4% ويتوقع بقاءه عالياً خلال 2025/2026. وزادت الضغوط المالية على الدولة، إذ أشار تقرير برلماني إلى عجز تشغيلي يقارب 1.805 تريليون تومان لموازنة 2025/2026، وهو الأكبر من نوعه، مع ملاحظة تخصيص نحو 6.2 مليار يورو من عائدات النفط والغاز مباشرة للقوات المسلحة، وذكر البنك الدولي أن العجز الكلي بلغ حوالي 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024/2025.
تأثر الناس بشدة من هذه الأوضاع؛ فالبنك الدولي قدّر أن 19.9% من الإيرانيين عاشوا تحت خط الفقر (6.85 دولاراً يومياً) في 2023/2024 مع توقع اقتراب النسبة من 20% في 2025/2026، بينما تواجه الطبقة الوسطى ضغوطاً حادة نتيجة التضخم وانهيار العملة.
الطاقة والموارد
هيمنت أزمة الطاقة على الصيف، بحيث شهدت طهران ومدناً كبرى انقطاعات متناوبة للكهرباء تمتد بين ساعتين وأربع ساعات بعدما تراجع الإنتاج إلى نحو 62 جيجاواط مقابل طلب يقارب 80 جيجاواط. وتعاني الموارد المائية ضغوطاً مماثلة، إذ لم تتجاوز نسبة امتلاء السدود 50% في أبريل، وارتفعت الحرارة إلى أكثر من 50 درجة مئوية في يوليو، فحذّر مسؤولون من أزمة وجودية وأعلنت طهران عطلة عامة في 23 يوليو لترشيد استهلاك المياه والكهرباء.
النفط والملف النووي والخيارات السياسية
على رغم استهداف البنية التحتية خلال الحرب، حافظت صادرات النفط الإيرانية على مستويات قريبة من 1.7 مليون برميل يومياً مع توقفات مؤقتة فقط في حقل “بارس الجنوبي”. في المقابل أعاد الملف النووي تصعيد العلاقات الدولية بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 12 يونيو أن إيران في حالة خرق لالتزاماتها بعدم الانتشار لأول مرة منذ نحو عقدين، ثم انسحب المفتشون الدوليون في يوليو بموجب قانون برلماني جديد يعلّق التعاون، وفي منتصف أغسطس لوّحت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بتفعيل آلية “سناب باك”.
على الصعيد السياسي تبدو الخيارات محدودة؛ فقد تعهد الرئيس مسعود بزشكيان بتجنب رفع مفاجئ لأسعار الوقود واقتراح إصلاحات تدريجية مثل تعديل نظام الحصص وتقديم دعم موجه، لكن الضغوط على شبكات الطاقة والموارد والمالية العامة تجعل حتى الخطوات الجزئية معرضة لردود فعل شعبية غاضبة. وإذا مضت الدول الأوروبية الثلاث في تفعيل آلية “سناب باك” خلال الأسابيع المقبلة، فستزيد الضغوط العقابية مع دخول خريف ثقيل بالتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، مما دفع سياسيين للمطالبة بإعادة النظر في سياسات العلاقة مع الغرب هذا الأسبوع.