صحة

باحثون يكشفون عن التركيب الوراثي المسئول عن التلعثم

اكتشافات جديدة تُعزز فهم اضطراب التلعثم وسبل معالجته

في خطوة مهمة نحو فهم أسباب وصعوبة علاج اضطراب التلعثم، كشف فريق من الباحثين بقيادة مركز فاندربيلت الطبي في الولايات المتحدة عن البنية الوراثية المرتبطة بهذا الاضطراب، والذي يُعرف علمياً باسم “اضطراب الطلاقة في الكلام”. وتُعد هذه الدراسة الأوسع من نوعها حتى الآن، حيث استندت إلى بيانات جينية لأكثر من مليون شخص، مما يفتح آفاقاً جديدة لفهم العوامل الوراثية والكيميائية التي تؤدي إلى التلعثم.

نظرة عامة على الدراسة والنتائج الرئيسية

  • نُشرت نتائج الدراسة في دورية “نيتشر جيناتكس”، وتعد الأكبر من نوعها، مع تحليل بيانات جينية لأكثر من 99 ألف شخص مصاب بالتلعثم وأكثر من مليون شخص غير مصاب.
  • تم تحديد 57 موقعاً جينياً مرتبطاً بالتلعثم، تتوزع على 48 جينًا، مما يوضح تعقيد البنية الوراثية لهذا الاضطراب.
  • أظهرت الدراسة تداخلاً وراثياً بين التلعثم وسمات أخرى مثل التوحد والاكتئاب، مشيرة إلى وجود “مسارات عصبية مشتركة” تربط بين عدة صفات نفسية وخصائص دماغية.

الأثر العمري والنسبة والتعافي

  • يُصيب التلعثم الأطفال من الجنسين تقريباً بنسب متساوية بين عمر 2 و5 سنوات، وهو العمر الذي يبدأ فيه ظهور الأعراض عادةً.
  • 80% من الأطفال يتعافون تلقائياً أو عبر علاج النطق، ويزيد معدل الشفاء لدى الإناث، مما يؤدي إلى وجود نسبة أعلى من البالغين الذكور الذين يعانون من التلعثم، بواقع 4 إلى 1.

ما هو التلعثم وأسبابه وأنواعه

التلعثم هو اضطراب في الطلاقة يتسم بصعوبة في تدفق الكلام، مع تكرار الأصوات والكلمات، أو إطالة الأصوات، أو توقف مفاجئ أثناء الحديث. وتشمل أنواعه:

  • التلعثم النمائي: شائع بين الأطفال من عمر سنتين إلى 5 سنوات، ويختفي غالباً مع النمو.
  • التلعثم العصبي المنشأ: يحدث نتيجة إصابات في الدماغ، مثل السكتات.
  • التلعثم النفسي المنشأ: يظهر بعد تعرض الفرد لصدمات نفسية.

تلعب العوامل الوراثية دوراً مهمًا، وغالبًا ما يظهر التلعثم في العائلات.

الأعراض والمضاعفات

من الأعراض الرئيسية:

  • تكرار الأصوات والكلمات.
  • التوقف قبل أو أثناء نطق الكلمات.
  • استخدام أصوات الحشو مثل “امم”.
  • توتّر عضلي في الوجه والجسم.
  • تغيرات في تعابير الوجه أو حركات غير إرادية كرمش العين أو إيماء الرأس.

وفي حال استمرّ التلعثم أكثر من 6 أشهر أو صاحبه مشكلات لغوية أو اجتماعية، أو بدأ فجأة بعد البلوغ، يُنصح بالتوجه إلى مختص في النطق واللغة. بالإضافة إلى ذلك، يتأثر المصابون باضطرابات نفسية واجتماعية، مثل فقدان الثقة بالنفس، وتجنب الكلام، والتنمر، وتراجع الأداء التعليمي أو المهني.

طرق التشخيص والعلاج

يتم التشخيص عادة عبر تقييم من قبل اختصاصي النطق واللغة، يتضمن دراسة أنماط الكلام وتأثير الحالة على حياة الفرد. أما خيارات العلاج فتشمل:

  • تعليم تقنيات التحدث ببطء وتركيز لتحسين الطلاقة.
  • استخدام أجهزة مساعدة لتحسين الإيقاع الصوتي أثناء الكلام.
  • العلاج السلوكي المعرفي لمعالجة القلق والتوتر المرتبطين بالتلعثم.
  • دعم الأسرة والأهل، خاصة في علاج الأطفال.

لا توجد أدوية مؤكدة حتى الآن لعلاج التلعثم، على الرغم من بعض التجارب التي لم تُثبت فعاليتها بشكل قاطع.

حقائق ومفاهيم خاطئة حول التلعثم

ينبغي توضيح أن التلعثم لا يدل على نقص الذكاء أو الضعف، وإنما هو اضطراب عصبي معقد يتأثر بعوامل وراثية وعصبية. وعلى الرغم من أن المجتمع يربط بين التلعثم والفشل الشخصي أو التربوي، إلا أن العلم يثبت أن الأمر لا يمت بصلة إلى مستوى الذكاء أو القدرات الذاتية.

النتائج والتطبيقات العلمية المستقبلية

أظهر البحث أن الجين الأكثر ارتباطاً بالتلعثم لدى الذكور هو VRK2، وهو جين مرتبط بوظائف الدماغ والتواصل العصبي، وبتنظيم العمليات الحيوية داخل الخلايا. تقع أهمية هذا الاكتشاف في أن فهم وظيفة هذا الجين قد يُسهم في تطوير علاجات موجهة لأمراض دماغية معقدة، فضلاً عن تطوير استراتيجيات للكشف المبكر عن الأطفال المعرضين لاضطراب التلعثم، بما يسهم في تقديم الدعم المناسب لهم منذ الصغر.

وفي النهاية، تؤكد الدراسة على ضرورة العمل على تصحيح الصورة الذهنية السلبية المتعلقة بالتلعثم، وتعزيز الدعم المجتمعي والفهم العلمي الذي يساهم في تحسين جودة حياة المصابين، وتقليل الوصم الاجتماعي المصاحب لهذا الاضطراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى