صحة

الرياضة المنتظمة تقلل من مخاطر الوفاة المبكرة بنسبة تصل إلى 40%

دراسة حديثة حول النشاط البدني وتأثيره على الصحة وطول العمر

كشفت دراسة منهجية موسعة أحدث نتائجها، عن أدلة قوية تؤكد أن الحفاظ على مستويات ثابتة أو متزايدة من النشاط البدني خلال فترة البلوغ يُمكن أن يقلل بشكل كبير من مخاطر الوفاة من أسباب عامة وأمراض القلب والأوعية الدموية، بنسبة تتراوح بين 20% و40%. وتوضح الدراسة أن ممارسة الرياضة تساهم في خفض احتمالات الموت المبكر نتيجة الأمراض أو الحوادث، مما يعزز من متوسط العمر المتوقع ويحمي من الأسباب الرئيسية للوفاة مثل أمراض القلب، والسرطان، والسكتات الدماغية، ويفتح آفاقاً لحياة أطول بصحة أفضل.

الخمول البدني وأثره على الصحة

يُعد الخمول البدني حالياً رابع أكبر عامل خطر للوفاة على مستوى العالم، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجموعة واسعة من الأمراض غير المعدية. وتوصي منظمة الصحة العالمية البالغين بممارسة 150 إلى 300 دقيقة أسبوعياً من النشاط المعتدل الشدة، أو 75 إلى 150 دقيقة من النشاط الشديد، أو مزيج منهما.

لكن، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن تقييم النشاط البدني في نقطة زمنية واحدة لا يعكس بدقة التغيرات في أنماط النشاط على مدار الحياة، مما يعيق تفسير الفوائد الصحية طويلة الأمد بشكل كامل.

وفي تحليل لبيانات أكثر من 6.5 مليون شخص عبر 85 دراسة سابقة، تبين أن الأشخاص النشطين بدنياً بشكل منتظم طوال فترة البلوغ كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 30 إلى 40% مقارنة بغير النشيطين. أما من بدأوا ممارسة النشاط في مراحل متأخرة من الحياة، فكان لديهم خطر أقل بنسبة 20 إلى 25%. وهذه النتائج تؤكد أن “الوقت المتأخر لا يعني فوات الأوان”.

كما أظهرت الدراسة أن رفع مستويات النشاط البدني حتى ولو لم يكن بمستوى التوصيات، يُمكن أن يكون له فوائد صحية واضحة، مع التأكيد على أن “التحرك أفضل من لا شيء، والبدء متأخراً أفضل من عدم البدء إطلاقاً”.

أهمية النشاط البدني والتحديات العالمية

تعريف النشاط البدني والسلوك الخامل

  • النشاط البدني: هو أي حركة تنتجها العضلات الهيكلية وتتطلب إنفاق طاقة، تشمل الأنشطة خلال وقت الفراغ، أو أثناء التنقل، أو كجزء من العمل والمنزل.
  • السلوك الخامل: هو فترة انخفاض في إنفاق الطاقة أثناء اليقظة، مثل الجلوس أو الاستلقاء، ويرتبط بزيادة السمنة وضعف صحة القلب والأيض، ويزيد من مخاطر الوفاة والأمراض المزمنة.

فوائد النشاط البدني على المدى الطويل

  • للبالغين: يقلل من مخاطر الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب، والسرطان، والسكري، كما يخفف من أعراض الاكتئاب ويعزز الصحة النفسية والعقلية.
  • للأطفال والمراهقين: يدعم صحة العظام، ويعزز النمو الطبيعي للعضلات، ويُحسّن التطور الحركي والمعرفي.

معدلات الخمول وتكاليفه

  • حوالي 31% من البالغين و80% من المراهقين لا يلتزمون بمستويات النشاط الموصى بها على مستوى العالم.
  • تسعى الأهداف الدولية لخفض معدلات الخمول بنسبة 10% بحلول 2025 و15% بحلول 2030 مقارنة بعام 2010.
  • التكلفة العالمية للخمول البدني تُقدر بحوالي 300 مليار دولار أميركي بين عامي 2020 و2030، إذا لم يتم اتخاذ إجراءات للحد منه.

توصيات منظمة الصحة العالمية

تقدم المنظمة إرشادات محددة لمجموعات عمرية متنوعة، وتؤكد أن أي ممارسة لأي نوع من النشاط البدني يُعد مفيداً، ويُشجع على تقليل الوقت المخصص للجلوس، مع ضرورة أن يدمج الجميع النشاط ضمن نمط حياتهم اليومي.

التفاوتات والعوامل المؤثرة

  • النساء أقل نشاطاً من الرجال بمعدل حوالي 5%، ولم يطرأ تغيّر يُذكر منذ عام 2000.
  • تزداد معدلات الخمول بعد سن 60 عاماً، خاصة بين النساء.
  • 81% من المراهقين (11-17 سنة) غير نشطين بدنيًا، والفتيات أقل نشاطًا من الأولاد.
  • تتأثر مستويات النشاط بعوامل شخصية، اجتماعية، ثقافية، وبيئية.

حتى من لا يحققون الحد الأدنى من التوصية، يُلاحظ أن لديهم انخفاضاً في خطر الوفاة، وهو خبر مبشر لمن يعانون من صعوبة في الالتزام بروتين رياضي صارم.

وأظهرت نتائج الدراسة أن من بدأوا النشاط ثم توقفوا لم يستفيدوا من الفوائد الصحية الطويلة التي حققتها الفئات التي حافظت على نمط حياة نشط باستمرار. كما بينت أن النشاط المنتظم يكون أكثر تأثيراً في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يقل الخطر بنسبة تصل إلى 40%. وأيضاً يقل خطر الوفاة بسبب السرطان بنسبة 25%، رغم أن الأدلة في هذا المجال أقل من أمراض القلب.

الآثار الفسيولوجية للرياضة على الجسم

تغيرات في القلب والأوعية الدموية

  • يزداد حجم القلب ويصبح أكثر كفاءة في ضخ الدم، مما يخفض معدل ضرباته أثناء الراحة.
  • يعمل التمرين على توسيع وتحسين مرونة الأوعية الدموية، مما يُخفض ضغط الدم ويقلل احتمالية تصلب الشرايين.
  • تُحسّن التمارين من قدرة الجسم على إيصال الأكسجين والمواد الغذائية، مما يقلل من احتمالية الأزمات القلبية والسكتات الدماغية.
  • تُساعد على تحسين مستويات الكوليسترول، وترفع من الكوليسترول الجيد، مما يانع عن تراكم الترسبات في الشرايين.

التأثير على تنظيم السكر في الدم

يزيد النشاط البدني من حساسية خلايا الجسم لهرمون الأنسولين، حيث تقوم العضلات بسحب الجلوكوز لاستخدامه كمصدر طاقة، مما يُخفض من مستويات السكر في الدم ويقي من مرض السكري من النوع الثاني، ويمنع تفاقم الحالة لدى المصابين به.

مقاومة الالتهاب وتأثيره على الشيخوخة

  • يساعد في تقليل مستويات المواد الالتهابية المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السرطان، وأمراض القلب، ومرض الزهايمر.
  • يجدد التوازن في جهاز المناعة، ويعزز إنتاج مضادات الأكسدة، ويقلل من الضغط التأكسدي الذي يُسرّع تلف الخلايا.
  • يزيد تدفق الدم إلى الدماغ، ويُمكّن من نمو خلايا عصبية جديدة، مما يُحسّن الذاكرة والوظائف المعرفية، ويقلل من خطر الخرف والزهايمر.

حفاظ على الكتلة العضلية والعظمية

  • تمارين المقاومة ورفع الأوزان تُحفّز إنتاج البروتين وتمنع فقدان الكتلة العضلية المرتبط بالتقدم في العمر (الساركوبينيا).
  • يزيد الضغط الميكانيكي الناتج عن التمارين من كثافة العظام، ويقلل من خطر الكسور والهشاشة.
  • تُساعد على تجنب السقوط الذي قد يؤدي إلى كسور خطيرة، خاصة بين كبار السن.

وفي النهاية، تشير الدراسات إلى أن الالتزام بمستويات النشاط الموصى بها يُمثل الحد الأقصى من الفوائد، وأن تجاوزها بكميات مفرطة لا يضيف فائدة إضافية ملحوظة. كما أن النشاط المنتظم يجب أن يكون جزءاً من حياة الجميع، وليس مقتصرًا على النخبة، مع ضرورة أن تتضمن حملات الصحة العامة توعية بأهمية استمرارية ممارسة الرياضة لجميع الفئات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى