اخبار سياسية
السويداء في مرآة الأحداث: تحليل اقتصادي واجتماعي للأزمة

تطورات الأوضاع في منطقة السويداء وتأثيراتها المتشابكة
تشهد محافظة السويداء في سوريا حالة من التوتر والتعقيد الناتجة عن مزيج من العوامل المحلية والإقليمية، حيث تتداخل الأبعاد الاجتماعية، الاقتصادية، والسياسية في سياق يزداد تعقيده مع مرور الوقت.
الأسباب والتحديات الداخلية
- تُعاني المحافظة من نقص في الموارد الطبيعية والاقتصادية، خاصة مع تدهور المؤسسات الحكومية وصعود قوى محلية متنافسة.
- يعتمد الاقتصاد المحلي بشكل رئيسي على القطاع الزراعي، الذي تأثر بشكل كبير نتيجة ضعف هطول الأمطار والجفاف، مما أدى إلى تراجع زراعة المحاصيل الأساسية مثل القمح والحمص والشعير.
- مشكلة ندرة المياه أدت إلى تراجع كبير في إنتاج الأشجار المثمرة وزيادة ظاهرة التحطيب، مع تحذيرات من دخول المحافظة في مرحلة تصحر إذا استمرت الظروف على ما هي عليه.
- انتشار الجماعات المسلحة المحلية التي تتخذ من حماية الطرق وتهريب المخدرات أولوية، حيث أصبحت المحافظة واحدة من أهم موانئ تهريب الكبتاغون وتخزينه وتوجيهه نحو الخارج.
- تفاقم الأوضاع الاجتماعية مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، خاصة بعد تراجع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، وازدياد أعباء المعيشة على سكان المنطقة.
الخلافات التاريخية والتوترات العشائرية
- تعود جذور النزاعات بين الدروز والبدو إلى بدايات القرن العشرين، حيث استقر الدروز في المناطق الغنية بالموارد، بينما بقي البدو في الأطراف البادية، مما أوجد خلافات متجددة حول الأراضي والمصادر المائية.
- مع تغير المناخ، ازداد النزاع خاصة مع تراجع مصادر المياه، وتحول بعض الآبار إلى مراكز نزاع مسلح، تصاعدت حدتها في سنوات لاحقة، وارتبطت بأحداث عنف واشتباكات دامية.
- إلى جانب ذلك، شهدت العلاقات التاريخية توترات سياسية، حيث تكررت اتهامات بمحاولة بعض الأطراف الانفصال عن الدولة أو السعي لترك المحافظة في حالة استقلال ذاتي، خاصة خلال فترات الأزمات السياسية السورية.
الأبعاد السياسية واللعب الإقليمي
- عُرف عن السويداء تاريخياً دورها الوطني، مع مشاركة فاعلة في ثورات سابقة، إلا أن ذلك لم يمنع حدوث نزاعات سياسية مع النظام، خاصة مع تكرار اتهامات بمحاولات الانفصال أو التمرد.
- خلال الثورة السورية، حافظت المحافظة على حياد نسبي، لكن نظام الأسد اتبع سياسات للضغط وإضعاف أهلها من خلال تجنيد قسري، وتقليل الخدمات، وتسهيل وجود جماعات مسلحة محلية تسانده في الحفاظ على نفوذه.
- توطدت علاقات بعض الجماعات المسلحة مع شبكات التهريب وإنتاج وتجارة المخدرات، والتي انخرطت في علاقات غير مباشرة مع أجهزة أمنية، مما أدى إلى استمرار هذا النشاط إلى جانب تعزيز النفوذ الإقليمي والدولي، خاصة مع تنامي التوترات مع الأردن والاحتلال الإسرائيلي.
الأحداث الأخيرة واحتجاجات أغسطس 2023
- شهدت المدينة احتجاجات عارمة إثر رفع الدعم عن الوقود، حيث تجمع المئات مطالبين بالحفاظ على ثبات الأسعار وتحسين الوضع المعيشي.
- اتسمت ردود الأفعال بسيطرة واضحة للسلطات، التي استخدمت أساليب التهديد والتجاهل، مع سعيها لإضعاف التضامن المحلي عبر دعم جماعات مسلحة أو محاولة تفتيت وحدة الصف بين السكان.
- كذلك، تطورت الاحتجاجات تدريجياً إلى مظاهرات واسعة شملت تمزيق صور الأسد وإسقاط التماثيل، ورفع أعلام الثورة السورية، مما زاد من تعقيد الموقف السياسي والأمني في المنطقة.
المعوقات والتحديات المستقبلية
- الأزمة الاقتصادية، وتدهور البنى التحتية، وانتشار الجماعات المسلحة يعمق من التحديات، ويحول المنطقة إلى بيئة خصبة لانتشار تجارة المخدرات والاستغلال الإقليمي والدولي للصراعات المحلية.
- الاحتكاكات الحدودية مع الأردن، خاصة فيما يتعلق بتهريب المخدرات، تزيد من التوتر وتفرض على المجتمع الدولي خلال الأعوام المقبلة ضرورة مراقبة الوضع بشكل أكثر دقة.
- موقف الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى لاستغلال الاضطرابات من أجل توسيع نفوذه أو تأمين مناطق تنزوي ضمن استراتيجياته، يضيف بعداً آخر لتعقيد الأوضاع.
في النهاية، يظل وضع السويداء مرهوناً بالتداخل بين عوامل داخلية وإقليمية، مع ضرورة العمل على معالجة أسباب التوتر والحفاظ على استقرار المنطقة من خلال سياسات شاملة تضمن حقوق جميع مكوناتها وتحقيق التنمية المستدامة.