اقتصاد

مصر تستقبل رئيس وزراء الصين.. ما الذي يجعل القاهرة تتطلع إلى بكين؟

زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى القاهرة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية

في توقيت دقيق على المستويين الإقليمي والدولي، تستقبل القاهرة رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في زيارة تحمل بين طياتها رسائل سياسية واقتصادية ذات وزن كبير. تأتي هذه الزيارة في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة وتحديات اقتصادية ضاغطة، حيث تواصل مصر تعميق شراكتها مع بكين، مؤكدة أن الرهان على الصين أصبح توجهاً استراتيجياً متصاعداً وليس خياراً هامشياً فحسب.

السؤال الذي يطرحه الكثيرون هو: لماذا تولي القاهرة اهتماماً خاصاً بهذه العلاقة؟ وما هي المكاسب التي تطمح إلى تحقيقها من تعزيز التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟

تطور سير المشاريع الصينية في مصر

  • بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في مصر حوالي 2800 شركة، بإجمالي استثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن الجهات المختصة. ويشير خبراء إلى سرعة الصين في إقامة المصانع مقارنةً مع دول أخرى، مع تطلعات مصرية لزيادة حجم الاستثمارات إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال عام واحد.
  • على سبيل المثال، في العاصمة الإدارية الجديدة، تتولى شركة الإنشاءات الصينية الحكومية (CSCEC) بناء منطقة أعمال مركزية بتكلفة تقدر بـ3.8 مليارات دولار، مع إدارة وتشغيل المنطقة على المدى الطويل، والتي تحتضن حالياً أكثر من 14 وزارة مصرية.
  • وفي قطاع النقل، دخل القطار الكهربائي الذي يربط العاصمة الإدارية بمناطق القاهرة الكبرى حيز التشغيل، بعد استثمار 1.2 مليار دولار وتنفيذ من قبل 15 شركة صينية.
  • أما في مجال الطاقة المتجددة، فقد وقعت شركة “سويس” اتفاقية مع شركة “باور كونستراكشن” لبناء محطة رياح بقدرة 1100 ميغاواط في خليج السويس، في حين بدأ مصنع شركة “جيلي” الإنتاج يناير 2025 بطاقة تصل إلى 30 ألف سيارة سنوياً، مع توقيع شركة “الكان” المصرية اتفاقية لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية بطاقة إنتاج تصل إلى 50 ألف سيارة بحلول 2030.

هدف مصر من الاستثمارات الصينية وأولوياتها

  • يسعى المسؤولون المصريون إلى رفع ترتيب الصين من المرتبة العاشرة حالياً ضمن المستثمرين في البلاد، ليصبح ضمن الخمسة الأوائل، مع استهداف جذب استثمارات جديدة بقيمة نصف مليار دولار خلال 2025.
  • كما تسعى مصر للحصول على أكبر قدر ممكن من الاستثمارات المباشرة بالعملات الأجنبية لتعويض تراجع إيرادات قناة السويس، حيث تتطلع الشركات الصينية إلى التعاون في مجالات الإنشاءات، والصناعات الهندسية والمنزلية، والإلكترونية، والملابس الجاهزة، ومواد البناء.
  • وتعتبر مصر منصة مهمة للشركات الصينية بهدف الوصول إلى الأسواق الأفريقية، الأوروبية، والعربية، خاصةً مع التوجه الصيني نحو نقل مصانعها خارج البلاد لتقليل الانبعاثات الكربونية بحلول 2026.

التحديات التي تواجه استثمارات الصين في مصر

  • تواجه الاستثمارات الصينية العديد من العقبات، مثل صعوبة الوصول إلى التمويل، وتعقيد الرسوم الجمركية، والحصول على الأراضي، بالإضافة إلى تحديات في المواعيد والبيروقراطية، ما يضغط على جداول الشركات الصينية ويؤثر سلباً على عمليات التنفيذ.
  • كما يعاني الاستثمار من قضايا سعر الصرف، والتغير السريع في السياسات الضريبية، وعدم الاستقرار التشريعي الذي قد يؤدي إلى خروج بعض المستثمرين، مع استمرار الروتين الحكومي كعقبة أمام إصدار التراخيص بسرعة كافية.

الميزة التنافسية لمصر وكيفية استقطاب الاستثمارات الصينية

  • تمتلك مصر موقعاً جيوستراتيجياً يجعلها مركز عبور بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، مع قناة السويس كممر رئيسي للتجارة الصينية مع أوروبا، وتواجد كثيف للشركات الصينية داخل المنطقة الاقتصادية بها. كما أن مصر توفر قوة عاملة مؤهلة وموقعاً متميزاً يسهل التصدير إلى أفريقيا وأوروبا.
  • وقد بدأت الصين في تسجيل الشركات باستخدام اليوان في التعاملات المالية، وهو ما يعزز فرص التجارة والاستثمار بين البلدين.

العوامل الجيوسياسية ودور “بريكس”

  • تسعى مصر إلى موازنة علاقاتها بين الشركاء الكبار، فبالإضافة إلى التعاون مع الولايات المتحدة، تعمل على تعميق الشراكة مع الصين ضمن إطار عضويتها في تجمع “بريكس”، الذي يسهم في تنويع مصادر التمويل وتقليل الاعتمادات على الدولار وتسهيل التعاملات بالعملات الوطنية.
  • ومن المتوقع أن يسهم إنشاء فروع لبنوك مصرية في الصين، وتوقيع اتفاقيات تبادل تجاري بالعملات المحلية، في تعزيز الحركة التجارية وتقليل التكاليف.

نقل التكنولوجيا والتعاون في القطاع التكنولوجي

  • تمتلك مصر حالياً شركات تكنولوجية صينية مثل “هواوي” و”شاومي” و”أوبو”، وتم إنشاء صندوق استثماري بقيمة 300 مليون دولار مع جامعة “تسينغهوا” يركز على الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، مع خطط لإنشاء قرية للذكاء الاصطناعي لتعزيز الابتكار التكنولوجي.
  • كما تم توقيع مذكرات لتأسيس مصانع للألياف الضوئية، ومراكز لتصدير خدمات التعهيد، إلى جانب برامج تدريب وتأهيل متخصصين في مجالات البرمجة والشبكات.

تعزيز التبادل التجاري والتعاون المستقبلي

  • بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 17 مليار دولار في عام 2024، مع استمرار العمل على تبسيط الإجراءات الجمركية، وتوسيع استخدام اليوان، وتفعيل اتفاقيات التبادل التجاري بالعملات المحلية، مع تدشين خطوط طيران مباشرة تدعم السياحة والتجارة.
  • وتسعى مصر إلى جذب مزيد من الاستثمارات الصناعية والزراعية، وتطوير التعاون في مجالات متنوعة، من خلال تسهيل الإجراءات وتذليل العقبات اللوجستية، مع استغلال عضويتها في “بريكس” لتعزيز هذا التعاون.

التحديات في التبادل التجاري بين البلدين

  • يعاني التبادل التجاري من خلل هيكلي؛ حيث تعتمد مصر بشكل كبير على الصادرات الزراعية والخدمات، في حين تهيمن الصين على الصناعات، مما يؤدي إلى عجز تجاري مستمر لصالح الصين. إذ تصدر الصين لمصر سلعاً بقيمة حوالي 13.3 مليار دولار، بينما تستورد مصر سلعاً بقيمة أقل من 400 مليون دولار.
  • كما تواجه المنتجات المصرية تحديات في المنافسة من السلع الصينية من حيث السعر والجودة، مع وجود فروقات في معايير الجودة والسلامة، إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن والمعاملات بسبب تغيّر سعر الصرف وعدم استقرار العملة المحلية.

دور عضوية مصر والصين في “بريكس” في تطوير العلاقات

  • تتيح عضوية مصر في “بريكس” فرصاً لتوسيع التعاون الاقتصادي مع الصين عبر آليات صرف العملات، والتسهيلات التمويلية، وتطوير المشروعات الكبيرة في منطقة السويس، إضافة إلى إنعاش الاستثمارات وتسهيل وصول المنتجات المصرية إلى الأسواق الأفريقية والعالمية.
  • كما أن إنشاء فروع للبنوك المصرية في الصين وتفعيل اتفاقيات التبادل بالعملات بين البلدين، يسهم في تقليل الكلفة وتيسير العمليات التجارية، مع توقعات بمزيد من التفاهمات لتعزيز حجم المبادلات التجارية والتعاون الفني والتكنولوجي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى