تصاعد استحواذات الصين على مناجم العالم في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية

ارتفاع استحواذات شركات التعدين الصينية في الخارج وتوجهاتها المستقبلية
شهدت السنوات الأخيرة تغيرات ملحوظة في نشاطات شركات التعدين الصينية على الصعيد العالمي، حيث بلغ حجم الاستحواذات واتفاقيات الاستثمارات ذروتها، مع تسابقها لتأمين المواد الخام الضرورية لدعم مستلزمات الاقتصاد الصيني والتقنيات المستقبلية. يأتي ذلك وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية التي تؤثر على استراتيجيات الاستثمار وتوجيهات الحكومات الدولية.
نمو كبير في الأنشطة الخارجية لشركات التعدين الصينية
- سجل العام الماضي (2024) تنفيذ 10 صفقات تفوق قيمتها 100 مليون دولار، وهي الأعلى منذ عام 2013، وفقاً لبيانات “ستاندرد أند بورز” و”ميرجر ماركت”.
- كشف معهد “جريفيث آسيا” أن العام السابق كان الأكثر نشاطاً في استثمارات الصين الخارجية بمجالي التعدين والإنشاءات منذ ما لا يقل عن تسع سنوات.
- تعكس الطلبات المرتفعة من الصين، أكبر مستهلك للمعادن عالمياً، تاريخاً طويلاً من استثمار شركات التعدين الصينية في الخارج للمواد الخام الضرورية.
المساعي الاستباقية ومتطلبات السوق العالمية
يُرجع المحللون والمستثمرون زيادة وتيرة الصفقات إلى رغبة الصين في أن تكون في المقدمة، خاصةً في ظل تدهور المناخ الجيوسياسي الذي يجعلها تتعرض لضغوط كونها مستثمراً “غير مرغوب فيه” في دول مثل كندا والولايات المتحدة.
قال مايكل شيرب، مؤسس مجموعة “Appian Capital Advisory”، إن النشاط كان مكثفاً خلال الأشهر الـ12 الماضية حيث اعتقدت الشركات الصينية أن لديها فرصة قصيرة الأجل، وتسعى لإنجاز أكبر عدد ممكن من عمليات الاندماج والاستحواذ قبل تصعيد التحديات الجيوسياسية.
ومن الأمثلة على ذلك، أعلنت شركة Zijin Mining الصينية عن نيتها الاستحواذ على منجم ذهب في كازاخستان مقابل 1.2 مليار دولار، فيما باعت شركة Appian منجم النحاس والذهب في البرازيل مقابل 420 مليون دولار إلى مجموعة Baiyin Nonferrous الصينية.
كما توقع رئيس قطاع المعادن والتعدين العالمي ببنك “ستاندرد تشارترد” أن نشهد في السنوات القادمة مستوى جيداً من نشاط إبرام الصفقات من قبل الشركات الصينية المتخصصة في التعدين.
تغير في أساليب الاستثمار وتطورها
أشار كريستوف نيدوبيل، الخبير في الاستثمارات الخارجية الصينية ومدير معهد “جريفيث آسيا”، إلى أن مبادرات مثل الحزام والطريق تميل إلى أن تكون صغيرة الحجم، على عكس استثمارات القطاعين التعدين والموارد التي لا تزال ضخمة وتتوافق مع توجه الصين نحو التصنيع المتقدم، بما يشمل البطاريات والطاقة المتجددة.
وتُهيمن الصين على معالجة معظم المعادن المهمة، كالليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، إلا أنها تبقى بحاجة إلى استيراد كميات كبيرة من المواد الخام. وتهدف دول غربية إلى تقليل الاعتماد على الصين من خلال تطوير سلاسل إمداد بديلة.
الابتكار في مواجهة التحديات الجيوسياسية
- أصبح الشركات الصينية أكثر براعة في الاستحواذ على أصول التعدين من المنافسين الغربيين، مع استعدادها للدخول في استثمارات أكثر مخاطرة، مع تبني استراتيجيات طويلة الأجل.
- شهدت السنوات الأخيرة تطوراً في استراتيجيات الاستحواذ، حيث سمحت الحكومة الصينية للشركات بالمنافسة فيما بينها بدلاً من الاعتماد على مستثمر واحد فقط، مع تطلع لتقليل الاعتمادية على الغرب استراتيجياً.
- تسعى الصين إلى إبعاد الغرب عن المواد الحيوية التي تسيطر عليها، خاصة في مناطق مثل الليثيوم، حيث تتنافس الشركات الصينية بشكل كبير على الحصول على هذه الموارد.
من بين الشركات الأكثر نشاطاً في عمليات الاستحواذ الخارجية، تبرز شركات مثل CMOC وMMG وZijin Mining، فضلاً عن تقديمها مليارات الدولارات في قروض لمشروعات التعدين في الدول النامية، خاصةً في أفريقيا، للاستفادة من النزعة القومية للموارد في تلك المناطق.
وفي سياق مماثل، تسعى الحكومات الإفريقية، خاصة تلك ذات الأنظمة العسكرية، إلى السيطرة على أصول التعدين الغربية، مع عرض الشركات الصينية لبدائل أقل ربحية لكنها أكثر استدامة ومرونة في التشغيل.