احتمالية تقليل خطر الانتحار في المصابين بالاكتئاب من خلال علاج الدماغ بالكهرباء

تطوير جديد يُغير مفاهيم علاج الاكتئاب الشديد وتأثيره على الوقاية من الانتحار
أظهرت مراجعة علمية حديثة نتائج قد تثمر عن تغييرات جوهرية في فهم فاعلية العلاج بالتخليج الكهربائي، خاصة فيما يتعلق بتحسين فرص تقليل معدلات الانتحار بين المرضى الذين يعانون من الاكتئاب الحاد. تشير الدراسات إلى أن هذا النوع من العلاج يمكن أن يقلل خطر الانتحار بنسبة تصل إلى 34% مقارنة بالعلاجات التقليدية مثل الأدوية المضادة للاكتئاب.
مفهوم الدراسة وأهميتها
- تُعد هذه المراجعة الأولى من نوعها التي تجمع وتُحلل بشكل منهجي الأدلة الحديثة من دراسات متعددة، لتوضح العلاقة بين العلاج بالتخليج الكهربائي، وتراجع نسب الانتحار والوفيات بين مرضى الاكتئاب المقاوم للعلاج.
- قام الباحثون بتقييم تأثير ثلاثة أنواع من العلاجات العصبية على الأفكار والسلوكيات الانتحارية، شملت: التخليج الكهربائي، التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة، وتحفيز العصب المبهم.
ما هو العلاج بالتخليج الكهربائي؟
هو إجراء طبي يُستخدم لعلاج الاكتئاب الشديد واضطرابات نفسية أخرى عبر تمرير تيارات كهربائية قصيرة ومنضبطة إلى الدماغ، لتحفيز نوبات صرعية قصيرة ومتحكم بها، مما يؤدي إلى تغييرات في كيمياء الدماغ يُعتقد أنها تساهم في تحسين الحالة المزاجية والأعراض المصاحبة له.
يُجرى العلاج تحت التخدير العام وبإشراف فريق طبي مختص، ويُستخدم عادة عندما لا تستجيب الحالات الحادة للعلاجات الأخرى كالدواء أو العلاج النفسي. وقد ثبتت فعاليته خاصة في الحالات التي تتسم بميول انتحارية أو مقاومة للعلاج.
نتائج الدراسات والمقارنات
- تم تحليل البيانات من 26 دراسة تشمل 17,890 مريضًا تلقوا العلاج بالتخليج الكهربائي، مقابل 25,367 مريضًا تلقوا رعاية تقليدية مثل الأدوية.
- أسفرت النتائج عن تسجيل 208 حالات انتحار في مجموعة العلاج بالتخليج الكهربائي، مقارنة بـ 988 حالة في المجموعة التقليدية.
- أما حالات الوفاة لأي سبب، فبلغت 511 في المجموعة المعالجة بالتخليج، مقابل 1325 في مجموعة الرعاية التقليدية.
- هذه الأرقام تشير إلى انخفاض بنسبة 34% في خطر الانتحار و30% في خطر الوفاة الإجمالية بين المرضى الذين خضعوا لهذا العلاج.
فوائد وتحديات العلاج بالتخليج الكهربائي
تتجاوز فوائد هذا العلاج صحياً إلى دعم فرص البقاء على قيد الحياة بشكل عام، وهو ما أثار تساؤلات حول تأثيره غير المباشر على تحسين الصحة العامة. إلا أن باحثين مثل مارتن بالسليف يورجنسن يرجحون أن هذه النتائج قد تكون ناتجة عن اختيار انتقائي للمرضى ضمن الدراسات، مما يستدعي الحذر في تعميمها.
كما تتطور الدراسات الحديثة، التي غالبًا ما تكون أكثر دقة وشمولية من القديمة، لتُظهر فوائد أكبر، إذ إن العلاج الحديث أصبح أكثر فاعلية، وقد تقل نسبة خطر الانتحار من 34% إلى معدلات أعلى تحققت في التطبيقات المعاصرة.
القيود والتحديات
- معظم الدراسات التي تم تحليلها كانت ملاحظية وليست تجريبية، مما يقلل من قوة الأدلة المستقاة. وغالبًا ما تكون التجارب السريرية طويلة الأمد غير عملية أو أخلاقياً في حالات الاكتئاب الشديد.
- أما بالنسبة للعلاجين الآخرين—التحفيز المغناطيسي المتكرر وتحفيز العصب المبهم—فكانت النتائج أكثر تحفظاً، مع محدودية البيانات وعدم الاستقرار في إثبات تأثيرها على معدلات الانتحار.
- تحفيز العصب المبهم أظهر انخفاضاً كبيراً في معدل الوفيات، لكنه يتطلب زرع جهاز جراحي، مما يضيف مخاطر وتحديات تقنية.
آفاق وتطلعات المستقبل
تمثل هذه الدراسة تطوراً هاماً لفهم إمكانيات العلاج بالتخليج الكهربائي، خاصة في ظل الانتقادات التي تواجهه من ناحية الصورة النمطية غير الإنسانية أو العنيفة التي يُصور بها أحيانًا، رغم تطوره المستمر منذ ظهوره في الثلاثينيات ليصبح أحد أكثر العلاجات فاعلية للأشكال المقاومة من الاكتئاب.
وتؤكد الهيئات الصحية العالمية، بما في ذلك الجمعية الأمريكية للطب النفسي، أن استخدام هذا العلاج بشكل بروتوكولي وتحت إشراف متخصصين آمن وفعال.
وفي ظل الأزمة الصحية النفسية العالمية، التي تفاقمت بسبب جائحة كورونا، تمثل نتائج هذه الدراسات أملًا لتعزيز السبل العلاجية، خاصة مع ارتفاع معدلات الاكتئاب والانتحار عالميًا، حيث يُعد الانتحار السبب الرابع للوفاة بين الشباب، ويرتبط غالبًا باضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب.
مع ذلك، تُطرح العديد من الأسئلة حول الوصول العادل والآمن لهذا العلاج، خصوصاً في الدول ذات النظم الصحية الضعيفة، حول آثاره الجانبية مثل فقدان الذاكرة المؤقت أو الارتباك، وما إذا كان يمكن الاعتماد عليه بشكل واسع في ممارسات الرعاية الصحية المستقبلية.