ما سبب تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة تحت شعار “إنقاذ البلاد”؟

تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة: الخلفيات والتحديات
تتزايد في الفترة الأخيرة حدة الانتقادات والتوترات بين الأحزاب السياسية المختلفة في الولايات المتحدة، حيث يتبادل الديمقراطيون والجمهوريون، ومن يدور في فلكهما، الاتهامات بشأن المسؤولية عن تصاعد ظاهرة العنف السياسي. وتختلف التفسيرات حول أنواع العنف وما يجوز استخدامه كوسيلة لإنقاذ البلاد أو ما يجب تجنبه، في ظل تكرار حوادث العنف التي تستهدف شخصيات ومسؤولين سياسيين.
حوادث العنف الأخيرة وتأثيرها على المجتمع
- شهدت ولاية مينيسوتا في 27 يونيو حادثة أثارت موجة حزن عامة، حيث استهدفت هجوماً مسؤولين منتخبين على خلفية مواقفهم السياسية، وأسفرت عن مقتل النائبة الديمقراطية السابقة ميليسا هورتمان وزوجها، في مراسم رسمية داخل قاعة الكابيتول.
- تم توقيف المتهم، فانس بولتر، الذي وُجهت إليه تهم بمحاولة اغتيال سياسيين آخرين، بالإضافة إلى انتحال صفة شرطي والتنكر بزي الشرطة، وهو بحوزته قائمة بأسماء مؤيدين للإجهاض.
ملف العنف السياسي يتجدد
فتح حادث مينيسوتا، الذي وقع في 14 يونيو، ملف العنف السياسي في البلاد، خاصة في ظل تكرار حوادث عنف شهدتها الولايات المتحدة خلال الشهرين الماضيين، منها مقتل موظفي سفارة إسرائيلية، واستهداف مكاتب سياسية، وحوادث إضرام نيران أو هجمات متطرفة ضد منازل ومساحات عامة، مما يبرز تفاقم الصورة الأمنية والتهديدات التي تواجهها البلاد.
المعدلات والتنذيرات
- منذ هجوم الكابيتول في 6 يناير 2021 وحتى أكتوبر 2024، رصدت وكالات معنية أكثر من 300 حادثة عنف سياسي، منها 51 خلال العام الانتخابي الأخير، وهو ما يمثل تصعيداً غير مسبوق منذ سبعينات القرن الماضي.
- شهدت محاولة اغتيال دونالد ترمب في يوليو 2020، ومحاولتان لاستهدافه في نادي الجولف الخاص به، بالإضافة إلى اعتداءات على منازل مسؤولين كبار، مؤشرات واضحة على تصاعد وتيرة الاستهداف والتهديدات.
العوامل التاريخية والاجتماعية للعنف السياسي
يُعتبر التاريخ الأميركي حافلاً بحوادث عنف متنوعة، بدءاً من حركات الشعبوية في العشرينات والستينات، مروراً بأعمال عنف ضد السكان الأصليين، وتمرّداً على النظام الاستعماري والثورات المختلفة، كتمرد نات تورنر في 1831 وغيره. وكلها تشكل عناصر متجذرة في الوعي الجمعي، تعزز من ظاهرة العنف كممارسة تاريخية مستمرة تزداد وتيرتها مع تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي.
عوامل التسريع في تصاعد العنف
- التغير الديموغرافي: تحول نسبة السكان البيض من 76% عام 1990 إلى حوالي 58% حالياً، مع توقعات بانخفاضها لأقل من 50%، وهو ما يثير مخاوف تتعلق بالمستقبل السياسي والاجتماعي.
- التحول الاقتصادي: تركز الثروة في فئة صغيرة من الأميركيين، مما يفاقم الشعور بالفقد والتمييز الاقتصادي، ويحفز التوترات والصراعات الاجتماعية.
تزايد التأييد للعنف وتغذيته
- تظهر استطلاعات الرأي أن نسبة من الأميركيين، خاصة من اليمين، تعتبر العنف وسيلة مشروعة لتحقيق أهداف سياسية، وتتزايد هذه النسبة مع تزايد التوتر السياسي، وخصوصاً حول قضايا الانتخابات والتغيير الديموغرافي.
- معدلات التهديد والاعتداءات والاغتيالات السياسية تتزايد، وتصف تقارير أمنية توجهات اليمين المتطرف بشكل خاص، مع تنامي خطاب يعزز ممارسات عنيفة ضد الخصوم والأقليات.
الدور السياسي والإعلامي في تشجيع العنف
يربط خبراء وأكاديميون التراكمات الحالية بخطاب سياسي متطرف، خاصة من جانب بعض القادة، وتوجيه وسائل الإعلام لخطاب يعزز الانقسام والكراهية، ويشجع على ممارسة العنف كرد فعل ضروري للدفاع عن الهوية أو ضد التهديدات المزعومة.
موقف الديمقراطيين والجمهوريين من العنف
- شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً في مقبولية العنف بين بعض قطاعات من الطرفين، مع ارتفاع التأييد بين الجمهوريين بشكل خاص، فيما يبقى موقف الديمقراطيين أكثر تحفظاً في العادة.
- هناك مؤشرات على أن بعض أوساط كلا الطرفين ترى في العنف وسيلة ضرورية للدفاع عن حقهم، وهو ما يهدد استقرار النظام الديمقراطي برمته.
اتهامات متبادلة وتوترات حادة
- يتهم الديمقراطيون بعض الجمهوريين، خاصة أنصار ترمب، بتعزيز خطاب العنف ودعمه، من خلال ممارسات سياسية مثل العفو عن مرتكبي أحداث الكابيتول، والتعامل السلبي مع التوترات، لخلق مناخ أكثر تشنجاً وتصعيداً.
- على الجانب الآخر، يربط الجمهوريون تصاعد العنف والإرهاب السياسي بدور الإعلام الليبرالي، ويعتبرون أن خطاب بعض وسائل الإعلام يخلق بيئة مثالية لنشوء أعمال عنف متطرف.
الخلاصات والتوقعات المستقبلية
يشير المتابعون إلى أن استقطاب الأحزاب، وتغير المشهد الاجتماعي والاقتصادي، وتزايد خطاب الكراهية والخطاب التحريضي، كلها عوامل تساهم في استمرار وتفاقم ظاهرة العنف السياسي. وبدون جهود مشتركة لإعادة بناء الثقة، وتهدئة الخطاب، وتصحيح الصورة الإعلامية، فإن المستقبل قد يحمل المزيد من التحديات لشكل النظام السياسي والأمني في البلاد.