من يتصدر السباق نحو الأمن الغذائي في الشرق الأوسط؟

الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط: التحديات والفرص
إن تحقيق الأمن الغذائي يظل أحد أكبر التحديات التي تواجه دول منطقة الشرق الأوسط، خاصة مع الاعتماد المتزايد على الاستيراد الخارجي لتلبية الاحتياجات المحلية، فضلاً عن تصاعد التوترات الجيوسياسية، والتغيرات المناخية، واضطرابات سلاسل الإمداد. إذ أظهرت الأزمات العالمية الأخيرة، مثل جائحة “كورونا” والحرب الروسية الأوكرانية، مدى هشاشة نظم الإمداد الغذائي وتأثيرها على دول المنطقة، مما يحول دون الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية.
جهود دول المنطقة لتعزيز أمنها الغذائي
- دول الخليج: استطاعت مواجهة الفجوة الغذائية عبر استراتيجيات استباقية، تتضمن بناء احتياطيات استراتيجية، والاستثمار في مشاريع الزراعة المائية والعمودية، والشراكة مع دول منتجة مثل فيتنام ومصر وصربيا وناميبيا.
- المملكة العربية السعودية: تتبنى “رؤية 2030” التي تمثل ركيزة أساسية للأمن الغذائي، مع ارتفاع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 109 مليار ريال في 2023 إلى 114 مليار ريال في 2024. كما تخطط لاستثمار نحو 24.5 مليار ريال في الصناعات الغذائية خلال السنوات القادمة.
- الإمارات: تعتمد استراتيجية وطنية للأمن الغذائي تتضمن 38 مبادرة رئيسة، بهدف زيادة مساهمة قطاع الأغذية في الناتج المحلي إلى 10 مليارات دولار، مع تنظيم المخزون الاستراتيجي وتوسيع الشراكات الدولية لضمان الإمدادات خلال الأزمات والطوارئ.
- مصر: أطلقت خطة طموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2030، مع استيراد 900 ألف طن من القمح عام 2024 بهدف زيادة الاحتياطي، والتوجه نحو الاكتفاء الذاتي من السكر بحلول 2026، مع زيادة نسب المخزون إلى 81%.
منافذ التقدم والتأخر في المنطقة
- الدول العربية الأكثر تقدماً: السعودية، الإمارات، قطر، التي استفادت من استراتيجيات تنويع الإنتاج وتحسين البنية التحتية الزراعية، وزيادة المخزون الاستراتيجي، وتوسيع الاستثمارات الخارجية.
- الدول الأكثر تأخراً: اليمن، السودان، سوريا، المغرب، حيث تتفاقم التحديات نتيجة النزاعات، والتدهور الاقتصادي، وقلة الموارد المائية، وتأثيرات المناخ القاسية.
دور الاستثمارات الداخلية والخارجية
- الاستثمارات الداخلية: تشمل دعم الزراعة المحلية عبر مشاريع مثل زراعة محصنة، والتكنولوجيا الزراعية الحديثة مثل الزراعة الذكية والعمودية، فضلاً عن مشاريع خارجية لتعزيز الأمن الغذائي عبر الاستثمار في أراضٍ زراعية في دول إقليمية مثل السودان وشرق أفريقيا.
- الشراكات الخارجية: تلعب دوراً رئيسياً في نقل التكنولوجيا، وتنويع مصادر الإمداد، وتوسيع الاستثمار الزراعي، من خلال التعاون مع شركات عالمية ودول إقليمية، بهدف تعزيز قدرات الإنتاج وتحقيق أمن غذائي مستدام.
التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي
- نقص الموارد المائية: تعد أحد أكبر التحديات، خاصة مع اعتماد أغلب الدول على المياه الجوفية أو المعالجة، الأمر الذي يزيد من تكاليف الإنتاج ويقلل من الأراضي الصالحة للزراعة.
- ضعف البنية التحتية الزراعية: يشمل ذلك وسائل الري الحديثة، ونظم النقل والتخزين التي تؤدي إلى فقدان جزء كبير من الإنتاج قبل وصوله إلى المستهلك.
- قلة التمويل والاستثمار: يعتبر القطاع الزراعي محفوفًا بالمخاطر، ويُنظر إليه على أنه قطاع منخفض العائد، مما يحد من جاذبيته للمستثمرين، ويعيق توسيع قدراته الإنتاجية.
- ظروف الأقاليم والجفاف: تراجع الأراضي الصالحة للزراعة، وارتفاع معدلات التصحر، وندرة المياه، تؤثر بشكل مباشر على قدرة الدول على تعظيم إنتاجها الغذائي.
- الاضطرابات السياسية والنزاعات: تعد من أكبر العوائق، حيث تمنع استدامة البرامج الزراعية، وتضعف استقرار الحكومات، مما يعوق الاستثمارات طويلة الأمد.
ختاماً
يظهر جلياً أن دول المنطقة تتجه نحو تنويع استراتيجياتها، من خلال الاعتماد على الاستثمارات الداخلية، وتعزيز الشراكات الخارجية، وتحسين البنية التحتية، وتقوية إدارة الموارد المائية، لمواجهة التحديات وتحقيق الأمن الغذائي المستدام. غير أن النجاح يتطلب جهوداً متكاملة، وسياسات طويلة الأمد، وتعاوناً إقليمياً واسع النطاق لضمان استقرار وتوازن قطاع الغذاء في المنطقة.