اقتصاد

من يتصدر السباق نحو تحقيق الأمن الغذائي في الشرق الأوسط؟

الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط: التحديات والفرص

تُعد مسألة الأمن الغذائي من القضايا الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدول ورفاهية شعوبها، خاصة في ظل الاعتماد المتزايد على الاستيراد الخارجي، يصاحب ذلك تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، وتغير المناخ، واضطرابات سلاسل الإمداد. شهدت المنطقة العديد من التحولات والتحديات خلال فترات الجائحة والحروب الأخيرة، مما يبرز الحاجة الماسة لتطوير استراتيجيات تضمن استدامة الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

جهود دول المنطقة لتعزيز الأمن الغذائي

  • دول الخليج

    تستورد تقريباً 85% من احتياجاتها الغذائية، ومع ذلك، تمكنت من مواجهة الفجوة عبر استراتيجيات استباقية تركز على بناء احتياطيات غذائية استراتيجية، والاستثمار في مشاريع الزراعة المائية والعمودية، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات مع دول منتجة مثل فيتنام ومصر وصربيا وناميبيا.

  • مصر والإمارات

    أعلنت مصر عن خطة شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2030، مع تركيز على زيادة الاحتياطيات من القمح والسكر، وتطوير مشاريع استصلاح زراعي. أما الإمارات، فتبنت استراتيجية وطنية تتضمن 38 مبادرة لزيادة مساهمة القطاع الغذائي في الناتج المحلي، وتنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية خلال الأزمات، بهدف تعزيز الأمن الغذائي الوطني.

  • الدول العربية الأخرى

    حقق بعضها تقدماً ملحوظاً، مثل السعودية التي أطلقت استراتيجيات دعم الزراعة الذكية والزراعات الخارجية، والإمارات التي عززت استثماراتها في التكنولوجيا الزراعية والبيئات الصحراوية، وقطر التي زادت من الإنتاج المحلي في قطاع اللحوم والدواجن، في حين تواجه بعض الدول مثل لبنان وسوريا وموريتانيا تحديات أكبر بسبب الظروف السياسية والبيئية.

التفاوت في مستوى التقدم بين الدول العربية

  • الدول الأكثر تقدماً

    السعودية، الإمارات وقطر، التي اعتمدت استراتيجيات شاملة تتضمن دعم الزراعة المحلية، وتطوير التقنيات الحديثة، والاستثمار في الخارج، وإنشاء مخزونات استراتيجية، وتحقيق معدلات اكتفاء ذاتي متقدمة.

  • اليمن، السودان، سوريا والمغرب، التي تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية وبيئية، ويواجه بعضها مشاكل في الاستقرار السياسي، ونقص الموارد المائية، وتدهور الأراضي، وارتفاع معدلات التصحر، ما يعيق مسيرة تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي.

دور الاستثمارات الداخلية والخارجية

  • الاستثمارات الوطنية

    شملت دعم المشاريع الزراعية الوطنية، وتبني التقنيات الحديثة مثل الزراعة العمودية، وتوسيع القدرة الإنتاجية من خلال مشاريع زراعية ضخمة، بالإضافة إلى بناء مخزونات استراتيجية لتعزيز الصمود أمام الأزمات.

  • الاستثمارات الخارجية

    تقوم الدول العربية بتوسيع استثماراتها في أراضٍ زراعية خارجية، خاصة في إفريقيا ودول الشرق الأوسط، لإنتاج محاصيل استراتيجية بما يقلل من الاعتماد على الأسواق العالمية ويعزز من أمانها الغذائي. كما تتعاون مع شركات تكنولوجيا زراعية عالمية لدعم هذا المسار.

الشراكات الدولية ودورها في تعزيز الأمن الغذائي

  • تلعب الشراكات مع منظمات دولية ودول عدة دوراً محورياً، من خلال نقل التكنولوجيا، وتطوير سلاسل الإمداد، وتعزيز التعاون في المشروعات الزراعية. تتعاون بعض الدول مع جهات عالمية للاستثمار في أراضٍ زراعية، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، وتنسيق جهود مكافحة تغير المناخ وتأثيره على الموارد المائية والزرع.

  • مثلاً، استثمرت دول عربية في شراكات مع شركات زراعية عالمية لتطوير الزراعة الذكية، وزيادة الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، بما يعزز من قدرة المنطقة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.

التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة

  • ندرة الموارد المائية

    معظم دول المنطقة تقع في مناطق ذات مناخ جاف وشبه جاف، وتعتمد على المياه الجوفية والماء المُحَلَّى، مما يرفع تكاليف الإنتاج ويحد من إمكانية التوسع في الزراعة.

  • ضعف البنية التحتية الزراعية

    تفتقر إلى وسائل ري حديثة، وشبكات نقل وتخزين فعالة، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الإنتاج قبل وصوله للمستهلك.

  • نقص التمويل والاستثمار

    القطاع الزراعي يُنظر إليه كمجال مرتفع المخاطر ومنخفض الربحية، مما ينعكس سلباً على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.

  • مشكلات التدهور البيئي والتصحر

    تواجه المنطقة معضلات مثل تناقص المياه، ارتفاع نسبة الملوحة، وتدهور التربة، التي تقلل من الأراضي الصالحة للزراعة وتزيد من التحديات في تعزيز الأمن الغذائي.

  • الاضطرابات السياسية والنزاعات

    تؤثر النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار على قدرة الحكومات على تنفيذ خطط طويلة الأمد، بحيث تعيق تطبيق البرامج التي تساند تحقيق الأمن الغذائي المستدام.

ختاماً، يتطلب تجاوز هذه التحديات العمل على استراتيجيات متكاملة تشمل الاستخدام الأمثل للموارد، وتوظيف التقنيات الحديثة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان مستقبل غذائي أكثر أماناً واستدامةً للمنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى