اقتصاد

الأمن الغذائي في الشرق الأوسط.. من يتصدر السباق؟

الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط: التحديات والسبل لتحقيق الاكتفاء الذاتي

يُعد الأمن الغذائي من أبرز الأولويات الاستراتيجية لدول منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ظل اعتمادها المتزايد على الاستيراد الخارجي لتلبية الاحتياجات اليومية، وتزايد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى التغير المناخي وتأثيره على سلاسل الإمداد الغذائية. خلال فترات جائحة “كوفيد-19″، والحروب الإقليمية والدولية، برزت الحاجة الماسة إلى استراتيجيات فعالة لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الاستراتيجية.

كيف تسعى دول المنطقة لتعزيز أمنها الغذائي؟

  • دول الخليج

    تستورد حوالي 85% من احتياجاتها الغذائية، وقد اتبعت استراتيجيات مسبقة تتضمن بناء احتياطيات استراتيجية، والاستثمار بمليارات الدولارات في مشاريع الزراعة المائية والعمودية، وتعزيز الشراكات مع دول منتجة مثل فيتنام، مصر، صربيا، وناميبيا.

  • مصر

    أعلنت عن خطة شاملة لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول 2030، مع استيراد كميات كبيرة من القمح لدعم الاحتياطات وتطوير مخزونها. كما تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر بحلول 2026، بزيادة مخزوناتها إلى 81%.

  • الإمارات

    تبني استراتيجية وطنية للأمن الغذائي تتضمن مبادرات قصيرة وطويلة المدى، وتهدف لزيادة مساهمة القطاع الغذائي في الناتج المحلي، وتنظيم المخزون الاستراتيجي وفقاً لقانون خاص بالأزمات والكوارث.

مستوى التقدم والتحديات في الدول العربية

تتوثر الدول العربية بين نماذج متقدمة وأخرى تواجه تحديات كبيرة، حيث تعتبر السعودية والإمارات وقطر من الدول الأكثر تقدماً، بينما تعاني اليمن والسودان وسوريا والمغرب من تحديات مضاعفة بسبب الظروف السياسية والبيئية والاقتصادية. على سبيل المثال:

  • السعودية

    أطلقت استراتيجية شاملة ضمن رؤية 2030 لدعم الزراعة الذكية، وتوسيع الاستثمارات في الخارج، وبناء مخزونات استراتيجية، رغم تحديات المياه والمناخ القاسي.

  • الإمارات

    ركّزت على الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية مثل الزراعة العمودية، وشراكات استراتيجية لضمان الإمدادات الغذائية واستدامة الأمن الغذائي.

  • قطر

    ركزت على تعزيز الإنتاج المحلي من اللحوم، والألبان، والخضروات، وزراعة المحاصيل في البيوت المحمية، باستخدام تقنيات حديثة في الزراعة الصحراوية.

وفي المقابل، هناك دول أخرى تواجه تحديات تؤثر على تقدمها، مثل:

  • اليمن

    أزمة إنسانية حادة نتيجة الحرب المستمرة، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية.

  • السودان

    على الرغم من الموارد الضخمة، إلا أن ضعف الاستقرار السياسي، وسوء البنية التحتية، ونقص الاستثمار، تعرقل تحقيق أمن غذائي فعال.

  • المغرب

    يعاني من موجات جفاف متكررة، وتراجع مخزوناته من اللحوم، مما أدى إلى زيادة الأسعار وتقليل الإنتاج.

أهمية الاستثمارات الداخلية والخارجية

تشجع العديد من الدول العربية على تطوير استثمارات داخلية وخارجية لتعزيز أمنها الغذائي، من خلال دعم المشاريع الزراعية، وتطوير التكنولوجيا، وتوسيع الشراكات الدولية:

  • المملكة العربية السعودية

    أطلقت “مبادرة الأمن الغذائي” في إطار رؤية 2030، وخصصت مليارات الدولارات لدعم إنتاج الدواجن والحبوب، وزيادة الاكتفاء الذاتي.

  • مصر

    شرعت في مشاريع استصلاح أراضٍ زراعية، وزيادة استثماراتها في قطاع الغذاء، مع سعي لتحقيق اكتفاء ذاتي من القمح والذرة والبقوليات.

  • الإمارات

    تستثمر في الزراعة العمودية وشراكات استراتيجية في دول أخرى، مع التركيز على تنمية الإنتاج في البيئات الصحراوية.

كما تتوسع بعض الدول، كالسعودية وقطر، في الاستثمار في أراض خارج حدودها عبر مشاريع استثمارية زراعية خارجية، بهدف تأمين إمداداتها وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية.

دور الشراكات الخارجية ومساهماتها

تلعب الشراكات الدولية والإقليمية دوراً محورياً في دعم الأمن الغذائي من خلال:

  • نقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة.
  • توسيع سلاسل الإمداد وضمان استدامتها.
  • الاستثمار في الأراضي الزراعية بالخارج ودعم الإنتاج المحلي.

على سبيل المثال، قامت دول مثل السعودية والإمارات بإقامة شراكات استراتيجية مع دول مثل السودان ومصر وإثيوبيا، والاستثمار في أراض زراعية لتوريد المحاصيل مباشرة إلى الأسواق المحلية. كما أبرمت شركات عالمية، كإحدى الشركات المختصة في زراعة المحاصيل والمواد الغذائية، اتفاقيات لاستثمار مبالغ ضخمة لتعزيز الإنتاج الزراعي في المنطقة.

التحديات التي تعيق تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة

  • ندرة الموارد المائية

    مع الاعتماد الكبير على المياه الجوفية أو المياه المحلاة، يواجه القطاع الزراعي تكاليف عالية، ويقف عائقاً أمام توسع زراعة المحاصيل الأساسية.

  • ضعف البنية التحتية الزراعية

    نقص وسائل الري الحديثة، وشبكات النقل والتخزين الجيدة، تؤدي إلى فقدان جزء كبير من الإنتاج قبل وصوله للمستهلك.

  • نقص التمويل والاستثمار

    الزراعة تعتبر قطاعاً ذا مخاطر مرتفعة، مما يحد من الجاذبية للاستثمارات المحلية والدولية، ويؤثر على زيادة الإنتاجية.

  • مشاكل الأراضي والجفاف

    تدهور الأراضي، ارتفاع معدلات التصحر، ونقص المياه، تؤدي إلى تقليص الرقعة الزراعية وخسائر مادية فادحة للمزارعين.

  • اضطرابات سياسية ونزاعات مسلحة

    تؤثر على استقرار السياسات الزراعية والتنمية المستدامة، خاصة في دول مثل اليمن والسودان، مما يعوق تنفيذ برامج طويلة الأمد لتحقيق الأمن الغذائي.

لذلك، يتطلب التصدي لهذه التحديات استراتيجيات متكاملة تعتمد على الاستخدام الأمثل للموارد، وتوظيف التكنولوجيا، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، لضمان استدامة الأمن الغذائي في المنطقة مستقبلًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى