اقتصاد
الأمن الغذائي في الشرق الأوسط: من يتصدر السباق؟

تحديات وتعزيز الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط
يُعد الأمن الغذائي من أهم الأولويات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتمد العديد من الدول بشكل كبير على الواردات الغذائية لتلبية احتياجات السكان، ويواجه هذا القطاع العديد من التحديات الجدية. من خلال استعراض الوضع الراهن والجهود المبذولة، يمكن فهم الفروقات في مدى تقدم الدول في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وما هي العقبات التي تعترض سبيل تعزيز الأمن الغذائي المستدام للمنطقة.
الظروف الراهنة للأمن الغذائي في المنطقة
- الاعتماد على الاستيراد الخارجي لتأمين الإمدادات الغذائية، خاصة في دول الخليج التي تستورد حوالي 85% من احتياجاتها، مما يعرضها لمخاطر تقلبات السوق والأزمات العالمية.
- تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية وتغير المناخ، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل الإمداد، التي زادت من تعقيد المشهد الغذائي خلال جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية والأحداث الأخيرة بين إيران وإسرائيل.
- الدول العربية تتفاوت بشكل كبير في قدراتها على تحقيق الأمن الغذائي، حيث تعتبر السعودية والإمارات وقطر من النماذج المتقدمة، في حين تواجه اليمن وسوريا والسودان تحديات كبيرة تهدد أمنها الغذائي.
جهود دول المنطقة لتعزيز أمنها الغذائي
الاستراتيجيات الوطنية والمبادرات الكبرى
- السعودية: تتبنى رؤية 2030 التي تركز على دعم الزراعة الذكية، وتطوير الإنتاج المحلي، وتوسيع الاستثمارات الخارجية عبر شركات مثل “سالك”. وتمت زيادة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من 109 مليارات ريال في 2023 إلى 114 مليار ريال في 2024، مع خطط لتوظيف 24.5 مليار ريال في القطاع خلال السنوات القادمة.
- الإمارات: تعتمد استراتيجية وطنية للأمن الغذائي تتضمن 38 مبادرة قصيرة وطويلة المدى بهدف زيادة مساهمة قطاع الأغذية في الناتج المحلي، وتنظيم المخزون الاستراتيجي خلال الأزمات، بالإضافة إلى الاستثمارات في الزراعة العمودية وشراكات استراتيجية لضمان الإمدادات.
- مصر: أطلقت خطة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، بما في ذلك استيراد كميات كبيرة من القمح وزيادة نسبة الإنتاج المحلي من السكر إلى 81% بحلول 2025، مع استهداف زيادة الاعتماد على المنتجات الزراعية المحلية.
- قطر: ركزت على تعزيز الإنتاج المحلي في قطاعات اللحوم والدواجن، واستثمرت في الزراعة داخل البيوت المحمية باستخدام التقنيات المتقدمة لتعزيز قدراتها الإنتاجية.
الاستثمارات الخارجية والشراكات الإقليمية والدولية
- توسعت الدول العربية في الاستثمار في الأراضي الزراعية خارج حدودها، خاصة في السودان وموريتانيا وشرق إفريقيا، بهدف تأمين الإمدادات وتقليل الاعتماد على السوق العالمية.
- شراكات مع شركات تكنولوجية عالمية، حيث استثمرت دول مثل السعودية والإمارات في مشاريع الزراعة العمودية والزراعة الذكية، وتعاونت مع شركات كبىور لصناديق الاستثمار الزراعي، مثل شراء حصة في شركة “أولام أغري” السنغافورية بقيمة 1.78 مليار دولار.
- كما تزيد الاستثمارات الخارجية في إنتاج الحبوب والبذور، بالإضافة إلى مضاعفة إنتاج الدواجن في بعض الدول، لدعم الأمن الغذائي الداخلي.
التحديات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي
- ندرة الموارد المائية، إذ تعتمد معظم الدول على المياه الجوفية أو تحلية المياه، مما يرفع تكاليف الإنتاج الزراعي ويحد من قدرة التوسع في زراعة المحاصيل الأساسية.
- ضعف البنية التحتية الزراعية، بما يشمل وفيات المياه والنقل والتخزين، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر هائلة قبل وصول المنتجات إلى المستهلكين.
- نقص التمويل والاستثمار في القطاع الزراعي، الذي يُنظر إليه على أنه قطاع عالي المخاطر وأقل جاذبية للمستثمرين، مما يعوق تحديث وتطوير الموارد الزراعية.
- مشكلات بيئية كالتصحر وتدهور التربة والجفاف، إضافة إلى تراجعات موارد المياه وتملح الأراضي، كما هو الحال في العراق وتشهد بعض المناطق في المغرب وبلدان أخرى.
- الاضطرابات السياسية والنزاعات المسلحة، التي تعرقل بشكل كبير عمليات التنمية الزراعية مثل اليمن وسوريا، حيث تؤثر على استقرار الحكومات وتعيق تنفيذ البرامج طويلة الأمد.
الخلاصة
رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها دول المنطقة، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي يبقى تحدياً كبيراً يتطلب استراتيجيات متكاملة، من خلال الاستخدام المستدام للموارد، وتطوير التكنولوجيا الزراعية الحديثة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان استدامة الأمن الغذائي في المنطقة رغم التحديات العديدة.