اقتصاد

هل تبدأ كرة الثلج لوكالات التصنيف الائتماني الإقليمية من أفريقيا؟

الدعوات لتأسيس وكالات تصنيف ائتماني إقليمية في أفريقيا والتحديات المرتبطة بها

في الآونة الأخيرة، تصاعدت المطالب في القارة الأفريقية لإنشاء وكالات تصنيف ائتماني إقليمية تسهم في تحسين تقييمات المخاطر المالية، خاصةً في ظل الانتقادات الموجهة لنظام التصنيف العالمي الذي تهيمن عليه ثلاث وكالات كبرى، وهي “ستاندرد آند بورز”، و”موديز”، و”فيتش”. حيث ترى العديد من الحكومات والمؤسسات المالية في أفريقيا أن التصنيفات الدولية لا تعكس بدقة الظروف الاقتصادية والسياسية المحلية، وتؤثر سلباً على تكلفة التمويل الخارجي، مما يحث على تطوير أدوات تقييم أكثر مواءمة للسياق الأفريقي.

دور ومعايير وكالات التصنيف الائتماني

ما هي وكالات التصنيف الائتماني ومعاييرها؟

  • هي مؤسسات مستقلة تُقيم الجدارة الائتمانية للدول والشركات بناءً على قدرتها على سداد الديون والالتزام بالشروط التعاقدية.
  • تصدر تصنيفات تعكس مستوى المخاطر، حيث يرمز التصنيف العالي إلى قدرة قوية على السداد، والمنخفض إلى مخاطر مرتفعة.
  • تلعب هذه التصنيفات دوراً رئيسياً في تحديد تكاليف التمويل، حيث تحصل الجهات ذات التصنيف العالي على شروط تمويل أكثر تفضيلاً، والعكس صحيح.
  • تعتمد على تحليل مالي شامل يشمل الميزانية، التدفقات النقدية، نسب الدين، إلى جانب العوامل الاقتصادية والسياسية غير المادية مثل الكفاءة الإدارية والحوكمة.
  • تُدمج النتائج في نماذج داخلية تُعرض على لجنة تصنيف مستقلة تتخذ القرار النهائي، مع مراجعة دورية أو عند حدوث تغييرات جوهرية.

هل يمكن تطبيق المعايير إقليمياً في أفريقيا؟

نعم، يمكن تطبيقها بفعالية، بشرط بناء قدرات تحليلية مستقلة، وتحسين جودة البيانات، وتعزيز الشفافية التنظيمية. إذ تعتبر خطوة استراتيجية لتعزيز السيادة المالية، وتوسيع نطاق التمويل المحلي والدولي، استناداً إلى توصيات العديد من المنظمات الدولية المعنية بتطوير أسواق المال في أفريقيا.

الوكالات الأفريقية البديلة وتحدياتها

هل توجد وكالة تصنيف أفريقية تنافس الهيمنة الدولية؟

تتجه مبادرات لإنشاء وكالات تصنيف ائتماني إقليمية، مثل وكالة “AfCRA” المدعومة من الاتحاد الأفريقي، التي من المتوقع أن تبدأ عملياتها بحلول نهاية 2025، بهدف تقديم تقييمات مستقلة وموضوعية، مع التركيز على الديون المقوّمة بالعملات المحلية لدعم أسواق رأس المال وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.

كما توجد وكالات وطنية، مثل وكالة “ميريس” في مصر، التي تعتمد على منهجيات عالمية مقدمة من وكالات دولية ولكن تُطبَق بمنظار محلي، بالإضافة إلى تحالفات خاصة مثل تحالف “بلتون” مع مجموعة “Crif Ratings” الإيطالية، الذي يعمل حالياً على إصدار تصنيفات ائتمانية في مصر.

وفي أفريقيا، تعتبر وكالة “غلوبال كريديت ريتنغ” أكبر وكالة تصنيف دائنة في المنطقة، حيث تعمل في عدة دول وتتبعها شركة “موديز” العالمية منذ عام 2024، مع المحافظة على استقلالية التشغيل ومنهجيات تراعي خصوصية السوق الأفريقية.

ما هي التحديات التي تواجهها هذه الوكالات؟

  • الكلفة العالية لإنشاء الوكالات، حيث تصل التقديرات إلى حوالي 500 مليون دولار، وهو مبلغ يصعب جمعه في البيئة الأفريقية.
  • غياب الطلب الكافي من السوق المحلية، إذ أن أدوات الدين المحلية لا تتطلب تصنيفاً ائتمانياً بشكل إلزامي.
  • عدم الاعتراف الدولي الكافي، إذ أن المستثمرين الخارجيين يعترفون عادةً فقط بالتصنيفات الصادرة عن وكالات معتمدة رسمياً وثبتت مصداقيتها عالمياً.
  • مخاطر تضارب المصالح، خاصة مع التمويل المحتمل من جهات دولية أو إقليمية قد تؤثر على استقلالية الوكالة.
  • ضعف جودة البيانات في بعض الدول، مما يؤثر على دقة التصنيفات ومرونتها.

هل حققت تجارب الوكالات البديلة النجاح؟

نماذج من التجارب الدولية

  • في الصين، تم تشكيل وكالة “داغونغ”، لكنها واجهت فضائح التلاعب والتدخلات السياسية، مما أدى إلى تعليق ترخيصها، وأكدت التجربة أن الحوكمة الصارمة والشفافية ضروريان لضمان المصداقية.
  • في الهند، تعرضت وكالة “آي سي آر إيه” لانتقادات بسبب تدخلات من كبار العملاء، مما أثار شكوكاً حول نزاهة التصنيفات.
  • أما وكالة “سكوب ريتينغ” الأوروبية، فهي نموذج يُعد أكثر استقلالية ونجاحاً، حيث ركزت على تقييمات مبتكرة تتضمن عوامل الاستدامة والحوكمة البيئية، مما أكسبها اعترافاً متزايداً في السوق الأوروبي.

الانتقادات الموجهة لوكالات التصنيف العالمية من المنطقة

مواقف الدول والمنظمات الدولية

  • في الشرق الأوسط، عبّرت مصر وتركيا عن استيائهما من تشدد وكالات التصنيف الدولية، حيث اعتبرت الحكومة المصرية أن التصنيفات تفتقد إلى فهم سياق الأزمة الاقتصادية، وتزيد من أعباء دول المنطقة المالية.
  • وفي تركيا، اتهم الرئيس رجب طيب أردوغان في 2018 وكالات التصنيف بمحاولة تقويض النظام المالي، عقب خفض تصنيف البلاد وسط أزمة العملة.
  • وفي أفريقيا، نُقلت انتقادات من دول مثل نيجيريا، غانا، وزامبيا، التي اعتبرت خفض التصنيفات قراراً غير عادل ويعتمد على تفسيرات غير دقيقة للوضع الاقتصادي المحلي، حيث استشهدت بأنها تؤدي إلى رفع تكاليف التمويل وتعميق الأزمات المالية.
  • حتى منظمات دولية مثل “الأونكتاد” و”برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”، أكدت أن التصنيفات المجحفة تتسبب في تحميل الدول الإفريقية فوائد مرتفعة بشكل غير متناسب، وتُهدِر فرص التمويل، وتُفاقم معاناة التنمية في القارة.

الجانب الفني والشفافية

رغم الانتقادات، لم يُثبت وجود تحيّز منهجي واضح في منهجيات تصنيف الدول الأفريقية، إلا أن الشعور بالظلم يعود إلى عدم وضوح المعايير الصارمة المستخدمة، مما ينعكس على الثقة والوعي بالتقييمات، وهو ما يدعو إلى ضرورة تطوير نماذج تقييم أكثر شفافية وملاءمة للسياق الإقليمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى