هل أفريقيا مصدر انطلاق كرة الثلج لوكالات التصنيف الائتماني الإقليمية؟

تحديات وتوجهات جديدة في تقييم الجدارة الائتمانية في أفريقيا
في ظل الانتقادات المتزايدة لطريقة تقييم المؤسسات الدولية لاقتصادات الدول النامية، تتجه الأنظار نحو تطوير بدائل محلية أو إقليمية تهدف إلى تقديم تقييمات أكثر دقة وشفافية تتناسب مع الظروف الاقتصادية والسياسية للمنطقة. يُعد إنشاء وكالات تصنيف ائتماني إقليمية أحد أبرز الاتجاهات في هذا السياق، خاصة مع تزايد المطالب بتقليل الاعتماد على التصنيفات العالمية التي يُنظر إليها على أنها لا تعكس الواقع بدقة.
مبادرة إنشاء وكالات تصنيف إقليمية في أفريقيا
- تسعى بعض الدول والجهات الأفريقية إلى تأسيس وكالات تقييم ائتماني خاصة بها، منهية الاعتماد على الوكالات الكبرى العالمية، بهدف تحقيق تقييم أكثر موضوعية ومراعاة للسياقات المحلية.
- من بين هذه المبادرات، مبادرة الوكالة الأفريقية للتصنيف الائتماني (AfCRA)، المقرر أن تبدأ عملياتها بحلول عام 2025، والتي تطمح لتقديم تصنيفات سيادية تتناول الظروف المحلية وتطوير أسواق رأس المال الأفريقية.
- كما توجد وكالات محلية أخرى مثل وكالة “ميريس” في مصر، والتي تقدم تقييمات للجهات المالية والأوراق المالية المهيكلة، وتعمل وفق معايير عالمية مع تكييفها محلياً.
التحديات التي تواجه الوكالات الإقليمية
- تكلفة التأسيس العالية: تقدر تلك التكاليف بنحو 500 مليون دولار، وهو مبلغ يصعب جمعه رغم الدعم المؤسسي العالمي، وهو ما يمثل أحد الحواجز الكبرى أمام تأسيس وكالات إقليمية قوية ومستقلة.
- نقص الطلب على خدمات التصنيف: مع طبيعة الأدوات المالية المحلية، فإن معظمها لا يتطلب تقييمات تصنيف معتمدة، الأمر الذي يحد من الطلب عليها في السوق الإفريقية.
- غياب الاعتراف الدولي: تعتمد معظم المستثمرين على التصنيفات المعتمدة دولياً، لذلك فإن غياب اعتراف عالمي يضعف من فعالية التصنيفات الإقليمية الجديدة.
- مشاكل البيانات وضعفها: جودة البيانات في الدول الإفريقية لا زالت تحدياً، مما يؤثر على دقة التصنيفات ومصداقيتها.
- تضارب المصالح: إذ يمكن أن تخلق مصادر تمويل الوكالة، مثل الاتحاد الأفريقي أو بنوك إقليمية، مخاطر تضارب المصالح، خاصة مع نقص الاستقلالية في بعض الحالات.
نماذج وتجارب دولية ناجحة وأخرى فاشلة
- تجربة الصين: وكالة “داغونغ” تمثل مثالاً على الحذر، إذ تميزت باستجابة متأخرة لأزمات تلاعب التصنيفات، مما أدى إلى فقدانها الثقة، واستحواذ الحكومة عليها مباشرة.
- الهند: تعرضت وكالة “آي سي آر إيه” لانتقادات بسبب تدخلات من عملائها الكبار، مما أغرى حول نزاهة تصنيفها.
- في أوروبا: تمكنت وكالة “سكوب ريتينغ” من التأسيس بشكل مستقل، وركزت على دمج قضايا الحوكمة البيئية والمخاطر المناخية، ما أضاف مصداقية وتقدماً لنظام التقييم.
الانتقادات والتوجهات المستقبلية
تواجه وكالات التصنيف الدولية انتقادات، خاصة من دول المنطقة، التي ترى أن تصنيفاتها تفتقر إلى المرونة والنظر في السياق المحلي، مما يؤدي إلى رفع تكاليف التمويل وتقويض السيادة المالية. مثال على ذلك، مصر وتركيا نادرتان إلى إظهار استيائهما من سياسات التصنيف، معتبرين أنها تتجاهل التحديات الاقتصادية الحقيقية وتفاقم أعباء الدول.
وفي أفريقيا، تواصل بعض الدول، مثل نيجيريا وغانا وزامبيا، انتقاد تصنيفات الوكالات الدولية، مع تحميلها مسؤولية ارتفاع فوائد الدين وتقليل فرص التمويل، في حين أن منظمات دولية مثل “الأونكتاد” والأمم المتحدة تشير إلى أن التقييمات غير العادلة تتسبب بخسائر مالية كبيرة على القارة، وتُقدر بفوائد زائدة تعكس ضعف الشفافية والحيادية.
وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال حول إمكانية تطوير نماذج تقييم بديلة أكثر عدلاً وملاءمة للواقع الإفريقي، ليكون ذلك خطوة مهمة نحو تعزيز السيادة المالية وتوسيع فرص التمويل المحلي والدولي.