بحث يُظهر أن أدوية خفض الكوليسترول قد تساهم في تقليل الوفاة بين مرضى تعفن الدم

كشفت دراسة واسعة نُشرت في دورية “فرونتيرز إن إميونولوجي” أن أدوية “الستاتينات”؛ المعروفة أساساً لعلاج الكوليسترول، قد تساعد في تقليل الوفيات بين المرضى المصابين بالإنتان، وهي حالة التهابية خطيرة تهدد الحياة.
وأوضح الباحثون أن استخدام الستاتين ارتبط بانخفاض خطر الوفاة بنسبة 39% خلال أول 28 يوماً من دخول المرضى إلى المستشفى، مقارنةً بالمرضى الذين لم يتلقوا هذه الأدوية. وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة “كايفينج لي”، وهي أستاذة مشاركة في مستشفى جامعة تيانجين الطبية في الصين، إن النتائج تشير إلى أن أدوية الستاتينات قد توفر حماية إضافية للمرضى المصابين بالإنتان، وتُحسن فرص نجاتهم.
الإنتان، أو تعفن الدم، حالة طبية خطيرة تحدث عندما يبالغ الجهاز المناعي في رد فعله الالتهابي تجاه عدوى، مما يؤدي إلى فشل الأعضاء الحيوية. وفي الولايات المتحدة وحدها، يتم إدخال نحو 750 ألف مريض إلى المستشفى سنوياً بسبب الإنتان، يتوفى منهم نحو 27%، وفي حوالي 15% من الحالات يتطور الإنتان إلى صدمة إنتانية، حيث يحدث انخفاض خطير في ضغط الدم وضعف تدفق الدم إلى الأنسجة، ما يرفع معدل الوفيات إلى بين 30% و40%.
يعتمد إنقاذ حياة المريض على التدخل السريع الذي يشمل العلاج التقليدي بالمضادات الحيوية، السوائل الوريدية، والأدوية المقوية لضغط الدم.
الدراسة الجديدة تشير إلى أن إضافة الستاتينات إلى بروتوكول العلاج قد يحسن بشكل كبير فرص النجاة. تُعرف الستاتينات أساساً بدورها في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية، حيث تساهم في خفض الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية، ورفع الكوليسترول الجيد (HDL). لكن الأبحاث الحديثة تكشف عن فوائد أوسع لهذه الأدوية، تشمل خصائصها المضادة للالتهاب، والمنظمة للمناعة، والمضادة للأكسدة وللتخثر.
اعتمد الباحثون على قاعدة البيانات الطبية MIMIC-IV التي تحتوي على السجلات الصحية الإلكترونية لنحو 265 ألف مريض تم إدخالهم إلى قسم الطوارئ والرعاية المركزة في مستشفى بيث إسرائيل ديكونيس في بوسطن بين عامي 2008 و2019، وركزت الدراسة على البالغين المصابين بالإنتان الذين قضوا أكثر من 24 ساعة في المستشفى. ولتجنب التحيز في النتائج، استخدم الباحثون تقنية إحصائية تُسمى “مطابقة درجة الميل”، حيث تمت مقارنة مرضى تلقوا الستاتينات مع آخرين متشابهين في الخصائص الطبية ولكنهم لم يتلقوا العلاج. شملت العينة النهائية 6070 مريضاً تلقوا الستاتينات، و6070 آخرين لم يتلقوها.
أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في معدل الوفيات خلال 28 يوماً لدى المجموعة التي تلقت الستاتينات بنسبة 14.3% مقارنة بالمجموعة الأخرى. وتعمل الستاتينات على تحسين نتائج مرضى تعفن الدم من خلال خصائصها المتعددة التي تتجاوز مجرد خفض الكوليسترول، حيث تمتلك تأثيرات مضادة للالتهاب تقلل من العاصفة السيتوكينية المفرطة التي تميز الإنتان. كما تعمل على تحسين وظيفة البطانة الوعائية وزيادة إنتاج أكسيد النيتريك الذي يُحسّن تدفق الدم، بالإضافة إلى خصائصها المضادة للتخثر التي تقلل من خطر الجلطات الدقيقة وخصائصها المناعية التي تساعد في تنظيم الاستجابة المناعية الزائدة، مما يساهم في حماية الأعضاء الحيوية من التلف ويقلل من معدل الوفيات بنسبة تصل إلى 39%.
ومع ذلك، لوحظ أن المرضى الذين تناولوا الستاتينات قضوا وقتاً أطول في أجهزة التنفس الاصطناعي، بزيادة 3 ساعات في المتوسط، وفي العلاج الكلوي البديل بزيادة 26 ساعة، ويعزو الباحثون ذلك إلى “مقايضة” بين تقليل خطر الوفاة وإطالة مدة بعض العلاجات الداعمة. وأكدت التحليلات الإضافية أن هذه النتائج كانت واضحة لدى المرضى ذوي الوزن الطبيعي أو الزائد أو المصابين بالسمنة، لكن لم يظهر التأثير نفسه لدى ناقصي الوزن.
على الرغم من أن التجارب العشوائية المحكمة، التي تعتبر المعيار الذهبي في البحث الطبي، لم تثبت سابقاً فائدة الستاتينات في علاج الإنتان، إلا أن الباحثين يشيرون إلى أن هذه التجارب كانت محدودة بعدد المرضى أو لم تأخذ في الاعتبار عوامل مثل نوع الستاتين، جرعته، وتوقيت بدء العلاج. وأضافت “كايفينج لي” أن التجربة المثالية يجب أن تشمل عدداً كبيراً من المرضى، مع بيانات دقيقة عن نوع الستاتين، الجرعة، ومدة العلاج، بالإضافة إلى مراعاة العوامل المؤثرة المحتملة. وإذا تم تأكيد هذه النتائج عبر تجارب سريرية أكبر، فقد تصبح الستاتينات جزءاً أساسياً من بروتوكول علاج الإنتان، مما قد ينقذ عشرات الآلاف من الأرواح سنوياً.
ومع ذلك، حذر الخبراء من التسرع في تطبيق هذه النتائج قبل إجراء دراسات إضافية، خاصة فيما يتعلق بالجرعات المثلى وأنواع الستاتينات الأكثر فاعلية.