طريقة علاجية مبتكرة تقي من تحول التهاب الأمعاء المزمن إلى سرطان

نجح باحثون في اكتشاف نهج علاجي جديد قد يحد من التهابات الأمعاء المزمنة، ويمنع تطورها إلى سرطان، إذ يُعتبر هذا المرض من أكثر الحالات الطبية تعقيدًا في العلاج، ويرتبط بمضاعفات خطيرة مثل احتمالية الإصابة بداء كرون أو التهاب القولون التقرحي.
وتُعد الفئة العمرية بين 15 و29 عامًا الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض، خاصة عندما يتزامن ذلك مع الاستعداد الوراثي وعوامل أخرى.
وفي دراسة حديثة، نشرت في مجلة “نيتشر إميونولوجي”، أعلن فريق من الباحثين عن اكتشاف نهج علاجي جديد يمكن أن يحد من عمليات الالتهاب المستمرة في الأمعاء، مما يمهد الطريق لعلاجات أكثر فاعلية في المستقبل.
خطر الإصابة بالسرطان
تبدأ أمراض مثل داء كرون والتهاب القولون التقرحي غالبًا بشكل تدريجي، أو على شكل نوبات حادة، مصحوبة بتقلصات شديدة في البطن، وإسهال، وفقدان في الوزن، والإرهاق، إضافة إلى زيادة الضغط النفسي.
وقد يؤدي التهاب الأمعاء المزمن إلى تلف دائم في الأنسجة، وزيادة خطر الإصابة بسرطان القولون. وبينما تركز العلاجات التقليدية على كبح الجهاز المناعي بالكامل، فإن العلاجات الحديثة تستهدف جزيئات محددة مسؤولة عن تحفيز الالتهاب.
ولا تزال الأسباب الدقيقة وراء هذه الأمراض غير مفهومة بشكل كامل حتى الآن، فبالإضافة إلى العوامل الوراثية، يُعتقد أن التأثيرات البيئية تلعب دورًا مهمًا في تطورها.
ويعاني مرضى التهاب الأمعاء المزمن من معدلات وفيات أعلى مقارنة بغير المصابين، مع وجود فروق أكبر في منتصف العمر، كما أن متوسط العمر المتوقع لديهم أقل بمقدار يصل إلى 8 سنوات للإناث و6 سنوات للذكور.
ويمكن أن يساعد فهم العوامل التي تتنبأ بالوفيات المبكرة في تحسين نظم الرعاية الصحية، وتوجيه الجهود الوقائية نحو الفئات الأكثر عرضة للخطر.
نهج علاجي جديد
تمكن الفريق البحثي من تحديد تفاعل بين جزيئين مناعيين هما: إنترلوكين-22، وهو بروتين متعدد الوظائف يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على توازن الأنسجة والحماية من العدوى، وأونكوستاتين إم الذي يلعب دورًا في ترميم الأنسجة وتمايز الخلايا.
لكن المفاجأة كانت في أن هذا التفاعل بين IL-22 وOncostatin M لا يوقف الالتهاب، بل يُفاقمه، فهو تفاعل يُغذي الالتهاب.
قال الباحث المشارك في الدراسة، أحمد حجازي، أستاذ أمراض الجهاز الهضمي والمناعة في المستشفى الجامعي: “نرى شبابًا في مقتبل حياتهم المهنية غالبًا ما لا تستجيب حالاتهم للعلاجات المتوفرة. لذلك نحن بحاجة ماسة إلى أساليب علاجية جديدة”.
وأضاف حجازي: “توفر نتائجنا أساسًا علميًا قويًا لتطوير علاجات موجهة ضد آلية تعزيز الالتهاب عند مرضى التهاب الأمعاء المزمن، خاصة ذوي الحالات الأكثر شدة”.
وأظهرت الدراسات أن المرضى الذين لديهم مستويات مرتفعة من Oncostatin M لا يتجاوبون مع العلاجات الشائعة، ما يجعله مؤشراً حيوياً على شدة المرض واحتمالية فشل العلاج.
وباستخدام تقنيات متقدمة، مثل سلسلة الخلايا الوحيدة، اكتشف الباحثون أن الأنسجة الملتهبة تحتوي على عدد كبير من الخلايا التي تمتلك مستقبلات لـ Oncostatin M، مقارنة بالأنسجة السليمة. كما أن IL-22، الذي عادة يحمي الأنسجة، يزيد من حساسية الأنسجة لهذا الجزيء عبر رفع عدد المستقبلات، مما يؤدي إلى تفاقم الالتهاب.
أمل جديد للمرضى
في عينات من مرضى سرطان القولون والمستقيم الناتج عن التهاب الأمعاء المزمن، وُجدت مستقبلات Oncostatin M بكثافة حول الأورام، لكنها كانت نادرة في الأنسجة السليمة المجاورة، مما يشير إلى أن هذا المسار الالتهابي قد يلعب دورًا في تطور السرطان.
ومع ذلك، فإن التهاب الأمعاء المزمن لا يؤدي دائمًا إلى سرطان الأمعاء، ولا يتأثر كل مريض بالطريقة نفسها.
قالت الباحثة المشاركة في الدراسة، بريتا زيجموند، مديرة قسم أمراض الجهاز الهضمي في المستشفى الجامعي: “أمراض التهاب الأمعاء معقدة للغاية وتختلف من مريض لآخر، وهذا ما يجعل علاجها صعبًا”.
وأضافت: “بفضل فهمنا لتفاعل Oncostatin M مع IL-22 أصبح لدينا رؤية أكثر وضوحًا للأسباب التي تؤدي إلى التهاب الأمعاء المزمن لدى بعض المرضى، مما يفتح الباب أمام تطوير واختبار نهج علاجي جديد”.
وقد تترجم النتائج التجريبية التي توصل إليها الفريق إلى علاج، إذ يجري حاليًا اختبار “جسم مضاد” في تجربة سريرية، يهدف إلى حجب مستقبلات Oncostatin M، مما قد يساعد في الحد من التهاب الأمعاء المزمن، ومنع تطور المرض إلى سرطان.