تعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء في السودان يثير جدلًا حول تركيبة السلطة

وكالات
أثار قرار رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بتعيين كامل إدريس رئيسًا للوزراء في 19 مايو الحالي، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية السودانية، وسط ترقّب لتشكيل الحكومة الجديدة في ظل مشهد سياسي وأمني معقّد. ويأتي التعيين بعد نحو 4 أعوام على الفراغ التنفيذي في السودان، اي منذ منذ انقلاب الجيش بقيادة البرهان على الحكومة المدنية التي أفرزتها ثورة 2019 وما تبعه من انهيار للسلطة المركزية في الخرطوم وانتقالها فعليًا إلى بورتسودان.
يُعد كامل إدريس شخصية ذات خلفية دبلوماسية دولية، وكان قد تولى منصب المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) بين عامي 1997 و2008. كما سبق له أن خاض الانتخابات الرئاسية في السودان عام 2010. وقد وصل إلى مدينة بورتسودان في لتسلّم مهامه رسميًا، حيث أكدت مصادر حكومية أنه سيبدأ مشاورات لتشكيل حكومة جديدة خلال أيام.
وبحسب تقارير إعلامية سودانية، فإن تعيين إدريس جاء تتويجًا لمسار تشاوري داخلي قادته قيادة الجيش، وشارك فيه مستشارون سياسيون مقربون من البرهان. ويُنتظر من رئيس الوزراء الجديد أن يقود حكومة مؤقتة تُكلّف بإدارة الملفات الاقتصادية والإغاثية الأساسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات المسلحة، في ظل غياب أي مؤشرات لوقف إطلاق النار الشامل بين أطراف النزاع.
لكن المهمة التي تنتظر إدريس تبدو معقدة، في ظل تباينات داخل معسكر السلطة ببورتسودان نفسه، لا سيما بين قيادات عسكرية، وممثلين عن الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش وعمهي في غالبها تتكون من عناصر من من الإخوان الملسمين والمتطرفين ، وعدد من الكيانات السياسية المتحالفة مع المؤسسة العسكرية. فبينما عبّر مسؤولون في حركة تمازج وحركة العدل والمساواة عن ترحيبهم المبدئي بالتعيين، حذّر بعضهم من محاولة إقصاء الحركات المسلحة من المواقع الوزارية المهمة، في إطار إعادة ترتيب داخلي تقوده دوائر عسكرية.
وقد ترددت في الأيام الماضية أنباء عن رغبة جهات داخل الجيش في تقليص نسبة مشاركة الحركات المسلحة في التشكيل الوزاري المرتقب، خاصة في وزارات مثل المالية والمعادن، وهي الوزارات التي كانت تُصنّف ضمن “مكاسب اتفاق جوبا”. كما أشارت مصادر إعلامية إلى وجود أسماء مرشحة من خلفيات محسوبة على التيار الإسلامي، وشخصيات منتهكة بارتكاب انتهاكات عرقية وهو ما قد يعيد الجدل حول تغلغل الإسلاميين في مفاصل السلطة تحت غطاء “الكفاءات المستقلة”.
مخاوف من التفاف على اتفاق جوبا
تواجه مسألة تشكيل الحكومة الجديدة أيضًا تحديًا قانونيًا وسياسيًا متعلقًا باتفاق جوبا، الذي نص صراحة على منح الحركات المسلحة نسبة 25% من هياكل الحكم، بما يشمل مجلس الوزراء. وبالرغم من أن الحكومة المركزية لم تعد قائمة فعليًا إلا أن اتفاق جوبا ما يزال يُمثّل الإطار المرجعي الوحيد لتقاسم السلطة بين الجيش والحركات المسلحة.
وفي هذا السياق، قالت مصادر من حركات دارفورية إن أي محاولة لتقليص نسبة التمثيل المتفق عليها، أو تحييدهم من الوزارات ذات التأثير المالي والسيادي، ستكون بمثابة “انقلاب ناعم” على الاتفاق، وستزيد من تآكل الثقة بين الشركاء السابقين. من جهتها، لم تصدر قيادة مجلس السيادة أي توضيحات رسمية بشأن كيفية توزيع الحصص الوزارية، مكتفية بالإشارة إلى أن كامل إدريس “سيجري مشاورات واسعة” قبل إعلان تشكيلته الوزارية.
المراقبون يرون أن الطريقة التي ستُشكّل بها الحكومة ستحدد إلى حد كبير مستقبل العلاقة بين الجيش وبقية الأطراف المتحالفة معه. فبينما يسعى البرهان لاستعادة زمام المبادرة السياسية بعد شهور من الجمود، وهيمنة متزايدة للحركات الإسلامية المسلحة ذات الفكر المتشدد
تبدو الخيارات أمامه محدودة، خصوصًا مع تصاعد التوترات داخل التحالف العسكري السياسي نفسه، والضغوط الإقليمية والدولية المطالبة بحل سياسي شامل يضم جميع الأطراف.
وفي ظل هذه التحديات، يبدو أن تعيين الدكتور كامل إدريس، رغم خلفيته الدولية وكفاءته التقنية، لن يكون كافيًا وحده لإعادة إنتاج سلطة تنفيذية مستقرة في السودان. فالصراع الحقيقي لا يدور فقط حول الأسماء، بل حول توازنات القوة وتوزيع النفوذ داخل سلطة الأمر الواقع في بورتسودان.
مع ما يثيره تعيين الرجل من نبش لماضيه الذي يبدو بعيدا عن النزاهة، إذا واجه كامل إدريس، رئيس الحكومة السودانية المكلف، اتهامات بالتزوير والفساد خلال فترة عمله كمدير عام للمنظمة الدولية للملكية الفكرية (ويبو) بين 1997 و2008. وتشير تقارير إعلامية إلى أن إدريس قدم معلومات مضللة عن سيرته الذاتية، مما أثار فضيحة كبرى أدت إلى استقالته تحت ضغط دولي عام 2008 وفق تقرير بي بي سي، 26 سبتمبر 2008). هذه الاتهامات أعادت إلى الواجهة تساؤلات حول نزاهته وأهليته لقيادة الحكومة السودانية في ظل أزمة سياسية وعسكرية معقدة.