عرض كتاب : المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي

 معركة الوعي من أكثر المعارك التي تخوضها الأمة الإسلامية في هذا التوقيت نظراً لإستغلال الجماعات الإرهابية والظلامية غياب أو ضعف الوعي عند البعض لنشر مغالطات وأكاذيب لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالدين الإسلامي ، وليس لها وجود في القرآن الكريم ، وكلها أكاذيب جاءت بعد إنقطاع الوحي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

ويعد المفكر الإماراتي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي من أكثر المفكرين والمجددين الذين لهم مساهمات كبيرة في تصحيح الأفكار المغلوطة ونشر الفكر الصحيح الذي يفرق بين الخطاب الإلهي الذي تعبر عنه النصوص القرآنية ، وبين الخطاب الديني الذي يمثل تفسيرات بعض البشر ، وفي سبيل تصحيح الأفكار الخاطئه كتب معالي الأستاذ على محمد الشرفاء عشرات الدراسات والمقالات ، وننشر اليوم عرض لكتابه الشهير  ” المسلمون بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني ”

 

ويطالب المفكر الإماراتي علي الشرفاء من الباحثين بضرورة مراجعة التراث الديني الإسلامي، والتنقيب عن الأسباب الخفية التي تدفع الجماعات المارقة مثل (الإخوان) و(داعش) وغيرهما من الجماعات التي تسيل الدماء باسم الدين، بالإضافة إلى العمل على مراجعة الخطاب الديني وتغييره وتحريره من النصوص والروايات والتفاسير الفقهية التي تبرر كل هذا الكم من العنف والإرهاب الذي أصبح عنوانًا للخطاب الإسلامي المعاصر 

ولذلك  قدم المفكر الكبير “علي محمد الشرفاء الحمادي”في فصول  كتابه الذي يحمل عنوان “المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي” ، قراءة منفتحة ومتحررة من الأطر التقليدية ذات النزعة الأحادية، خلال سطور الكتاب تتبين فكرته المحورية من مفارقته بين نوعين من الخطاب، أولهما الخطاب الديني ويقصد به التراث الديني المتراكم بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى الآن، حيث يعني به التراث البشري الذي تمت أسطرته وتحويله أسطورة من ثم إلى مقدس، أما الثاني، فهو: الخطاب الإلهي، وهو القرآن الكريم

ويهدف المؤلف عبر سطور كتابه الرصين إلى الدفاع عن النص المؤسس (القرآن) وتبرئته من كل ما نُسب إليه من اتهامات باطلة مثل: معاداة العلم، الجمود، كراهية الآخر، التعصب، العنف، النزعة القتالية، اضطهاد المرأة، مؤكداً  عبر صفحات الكتاب أن القرآن لم يكن أبداً لاهوتياً فلا يؤسس لأي نزعة لاهوتية، إنما هو رسالة تهدف لتحرير الإنسان من الظلم والجهل والعبودية والأنانية. وتحمل رسالة النص المقدس عديد من المعاني السامية والنبيلة مثل: (الحب، التسامح، العدل، العقلانية، قبول الآخر، نشر السلام، احترام الإنسان لذاته بوصفه خليفة الله في الأرض

ويقول الشرفاء في كتابه الرائع المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي  “ومن أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة والتشوهات التي تناقلتها مؤلفات الفقه والتفاسير المختلفة – التي اعتمدت على روايات منسوبة لبعض الصحابة تناقلتها الألسن بعد مرور أكثر من قرنين من الزمان على وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تفسير دلالات الآيات في القرآن الكريم وما أحدثته من ارتباك في قناعات المسلمين، وما ترتب على ذلك تشويه صورة الدين الإسلامي عند غيرهم من الشعوب، حينما استقلت كل فرقة بمفهومها الخاص، واتخذت كل فرقة من علمائها مرجعاً وحيداً في كل ما يختص بفقه العبادات والمعاملات 

المفكر الإمارتي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي

المفكر الإمارتي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي

وتابع معالي الأستاذ علي الشرفاء في كتابه ” وتعصب كل فرقة لمذهبها أدت إلى خلق كيانات اجتماعية مستقلة في المجتمع الواحد، وصل بعضها إلى تكفير الفرقة الأخرى، وقد تسببت في ذلك فتاوى وتفاسير بشرية اتبعت روايات ضالة تعددت مصادرها واختلفت أهدافها لتفريق المسلمين والابتعاد عن نهج القرآن الكريم

ويشير المؤلف خلال مقولته السالفة إلى أن المسلمين أمامهم طريقين هما: الأول، الإيمان بالله وبكتابه، بحيث يكون القرآن هادياً و مرشداً  للمسلمين. أما الطريق الثاني، أن يتبع المسلمين الروايات التي روج لها ممن يسمون أنفسهم بعلماء الدين، وعلماء حديث، وشيوخ الإسلام الذين أقحموها في قناعات المسلمين وفي معتقداتهم،  فكانت سبباً في تفرقهم وتشرذمهم فرقاً وشيعاً وأحزاباً  يكفر بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم البعض الآخر

وتتمثل رؤية المفكر علي الشرفاء للخروج من المأزق الذي وضعتنا فيه المرجعيات والتفسيرات التي وضعها علماء الحديث والفقهاء التي كانت سببًا في طمس الوجه المشرق للإسلام وتشويه صورته السمحة، تتمثل في الرجوع إلى النص القرآني بوصفه المرجعية الأساسية والوحيدة للمسلمين، ويستدل بآيات الله -عز وجل، و أن النص القرآني هو المرجعية التي ينبغي للمسلمين أن يحتكموا لها في حياتهم وفي معاشهم كما في قول الله تعالى : “تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ” (سورة الجاثية 6 )

 كما يتبين في قول الله تعالى على لسان نبي الرحمة عندما اشتكى المسلمين إلى الله؛ لأنهم هجروا القرآن وابتعدوا عن الطريق القويم : “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” ( سورة الفرقان 30 ) 

ويشرح كتاب المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي الفروق الجوهرية والهائلة بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي ، فالخطاب الديني  اعتمد على مرجعيات مختلفة في أسانيدها ومناهج متعددة، فكل خطاب تختلف مضامينه وأهدافه عن الخطاب الآخر، حيث كل خطاب يعتمد على مرجعية تختص به، مما يترتب على ذلك أن ساحة الدعوة الإسلامية تحتوي على خطابات دينية متعددة متناقضة، وكل منها اختزل الإسلام في دعوته لمعتقدات ذات توجهات مغايرة لكل منها 

 أما الخطاب الإلهي، هو خطاب واحد محدد المضمون متسق المعاني، راقياً في الحوار، يستند للمنطلق والعقل ليتفق مع الفهم المخاطب، وهو عقل الإنسان، ذا مرجعية واحدة، خطاباً من خالق الناس لكل الناس، يدعو للرحمة والمحبة والتعاون والمساواة بين جميع البشر،  وما يلبث إلا أن يعود ليتطرق أكثر فيما يتعلق بالخطاب الديني، بأن مفاهيم أصحابه ارتبطت بالظروف السياسية والاجتماعية، حتى أصبح التشريع الإسلامي مصدر خلاف واختلاف، موضحًا أنه بسبب هذا الخلاف والاختلاف نشأت نزاعات استمرت مئات السنين؛ فأفرزت منها في العالم الإسلامي طوائف عديدة وفرق كثيرة متصارعة متقاتلة وعشرات المذاهب الدينية، لكل مذهب دعاته وأئمته، وسببت دوامة فكرية بين المسلمين وحيرة مترددة للناس في اختيار أي من المذاهب الذي يتحقق به سلامة إقامة الشعائر العادية ومصداقية الأحكام التي يتبناها كل مذهب- وأي من المذاهب يتوافق مع المنهج الإلهي

 

ويرى المؤلف، أن هذا أدى إلى صراع مذهبي، فكل طائفة تعصبت لمذهب معين وتفرق المسلمون فاتبعت كل طائفة إماماً ومعلماً ومرشداً ،  فأصبح كل فريق يعتز بإمامه ويعلي من شأنه ويقدس آراءه وفتاواه، ولا يرضى بغيره إماماً واعتمد الخطاب الديني على أقوال وروايات كاذبة لتأجيج الخلاف والصراع بين المسلمين واستمرار خلق الفتن فيما بينهم، وتعصباً أعمى أنتج متطرفين اندفعوا دون وعي أو ضمير لاستباحة كل القيم الإسلامية،  فنصبوا أنفسهم أوصياء على الناس. وهذه الفرق المتناحرة استطاعت التغلغل في الفكر الإسلامي، وأصبحت كل منها تمتلك منهج مستقل لكل فرقة منهم يتعارض مع الفرقة الأخرى بهدف عزل القرآن وما جاء به من قيم الحرية والعدل

ويعتمد الأستاذ على الشرفاء في كل كلمة في هذا الكتاب بالآيات الكريمة من القرآن الكريم في قوله تعالى:” اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ” (سورة الأعراف3) بهذه الآية يأمرنا الله بإتباع القرآن وحده،  ليكون هو المرجع الوحيد للمسلمين ليضمن لهم طريق الهداية والصلاح، ومن أجل أن يخرج المسلمون من الظلمات التي أحدثتها المرجعيات المذهبية المختلفة والمتصارعة

ويشرح المؤلف أكثر من خلال إشارته إلى  قادة الفرق الإرهابية حينما اعتمدت على الروايات متعددة وحكايات متواترة وافتراءات ظالمة تناقلتها كتب التراث على مدى أربعة عشر قرناً تتناقض مع القرآن، حاملين الرايات السوداء يستمتعون بقتل الأبرياء، ويستهينون بكل القيم الإسلامية حيث وصف المؤلف هذه الجماعة، بالقول: “إنهم مجموعة شريرة يتضاعف أعدادها بالآلاف سعيا وراء الوهم الموعود 

ويطرح الكاتب  مجموعة من الأسباب والدوافع الضرورية التي تؤدي إلى التشدد والتعصب، وهي مخالفة أوامر الله والانصراف عن القرآن إلى تصديق عشرات الآلاف من الروايات التي تحولت كمصدر  رئيسي للفقه والتشريع ومرجعا للخطاب الديني ، والرسول اشتكى المسلمين يوم القيامة في تأكيد لقول الله تعالى: ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (سورة الفرقان30) 

ويرى المفكر الإمارتي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي أن أعداء الإسلام استغلوا العاطفة الدينية عند المسلمين واستدرجوا أفكارهم وأقنعوهم بروايات تداعب خواطرهم ونفوسهم، واستطاعوا أن ينفذوا إلى العقول حتى أصبحت من المقدسات فحاصروا بها العقل وجعلوا الروايات قيداً  على حريته في التفكير، وشلوا قدرة العقل عن التدبر باستقلالية النص القرآني عندما صدق المسلمون علماء الدين وشيوخه الذين احتكروا الفكر والفهم للتكاليف الدينية واختزلوا مقاصد التشريع حسب إدراكهم ونصبوا أنفسهم وكلاء عن الخالق سبحانه في الأرض وأوصياء على دين الإسلام

ويحث الكاتب في مؤلفه على التفكير في القرآن، باعتباره فرض عين لأن الله سبحانه يخاطب العقل الذي لديه القدرة على قياس الأمور ومعرفة الحق من الباطل حتى لا يستأثر بعض من خلقه باختزال المعرفة وتعطيل الناس عن التفكير؛ فيما خلق الله في كونه حين اعتمد المسلمون على مفاهيم دينية، مقتنعين بأفكار وتفاسير تصدر لهم من مختلف الأئمة والدعاة بالرغم من تباين المفاهيم بين العلماء أنفسهم وتناقض المصطلحات عندهم

ويوضح الأستاذ على الشرفاء في كتابه المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي أن الله عز وجل أمر المسلمين بإتباع الرسول الله –صلى الله عليه وسلم- باعتباره الإمام الأوحد لهم ، فلا نتبع غيره إماما والمرجع كتاب الله وآياته فقط، فسيسأل الإنسان يوم القيامة : “فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴿٤٤﴾. (سورة الزخرف 43 – 44)

وفي نهاية هذا الكتاب المرموق والنادر بين الكتب في العصرين الحديث والمعاصر  يعيد الإستاذ على محمد الشرفاء التأكيد على أن الخطاب الإلهي هو المقدس الأوحد، وهو خطاب للأحياء، وليس للأموات أو الماضي ، وهذا يعني أن الخطاب متجدد ومتفاعل مع واقع الحياة الإنسانية المتغيرة المتجددة أي صيرورة الحياة. يتبين ذلك في قول المؤلف” وبهذا يكون الخطاب ليس خطاباً  للأموات، ولا هو للأمم السابقة، بل هو  خطاب للأحياء الذين يتلون كتاب الله، ويستمعون إليه ويتفاعلون مع نصوصه، كي تتحقق الصلة بين الله وعباده بحبل من الله يمتد من الأرض إلى السماء، ولن يحدث ذلك الاتصال إلا من خلال الالتزام بتعاليم القرآن الكريم

وبهذا يمكن التأكيد على أن  المفكر الإمارتي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي المفكر قدم قراءة جديدة جديرة بالتأمل والدراسة تتمثل أهميتها في أنها تفتح الباب أمام المزيد من القراءات التي تحرر النص من هيمنة التفسيرات الأحادية والشكلانية التي صادرت النص لحسابها، وساعدت على اختطافه وسرقته من قبل التيارات الإرهابية التكفيرية

==============

مؤلف الكتاب هو : المفكر الإماراتي الكبير: علي محمد الشرفاء الحمادي

المفكر الإماراتي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي

المفكر الإماراتي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي

 

هو مفكر وأكاديمي عربي وواحداً من كبار السياسيين العرب. المدير الأسبق لديوان رئاسة دولة الإمارات العربية، ورئيس مؤسسة رسالة السلام العالمية. الكاتب لديه رؤية ومشروع استراتيجي لإعادة بناء النظام العربي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. وينفذ مشروع عربي لنشر الفكر التنويري العقلاني وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب والعنف الذي يُمَارَس باِسم الدين. الكاتب قدم للمكتبة العربية عدداً من المؤلفات التي تدور في معظمها حول أزمة طالخاب الديني وانعكاسه على الواقع العربي

Comments

comments