الدكتور نادر رياض يكتب: محور قناة السويس ..استعادة لأمجاد…

  • بتاريخ :
لا توجد صورة
كم كان فنار الإسكندرية– إحدى عجائب الدنيا السبع – مبهراً كأول مركز تجارى في زمانه يعادل مركز التجارة العالمي بمفهومنا الحديث والذي ميز هونج كونج وسنغافورة وجعل منهما صروحاً اقتصادية بهرت العالم.
فقد كان فنار الإسكندرية بتصميمه المعماري الفريد أول منارة في العالم أقيم فوق كتلة صخرية في الموقع الحالي لقلعة قايتباي بناه المعماري الاغريقى سوستراتوس في عهد العبقري بطليموس الأول وامتد زمن بناؤه لعصر بطليموس الثاني بارتفاع بلغ 150 متراً فوق سطح البحر به حوالي300غرفة،قامت فكرة هذا البناء الفريد على أن بإمكان قباطنة السفن وأصحابها المقايضة على بضائعهم بمعنى استبدالها ببضائع أخرى،وبذا يتركون بضائعهم بالإسكندرية ويحملون بضائع أخرى يبحرون بها إلى موان جديدة وبذا يوفرون على أنفسهم الفترات الطويلة للبقاء في الميناء انتظاراً لبيع بضائعهم واقتضاء ثمنها حيث كان البديل الآخر لا يخلو من المخاطر ألا وهو تركها عند التجار بالأقاليم والعودة إلى اقتضاء الثمن في رحلة العودة  فقامت الفكرة على إيداع تلك البضائع للعرض أو المقايضة داخل مئات الغرف التي احتواها الفنار والتي سمحت بتلك المقايضة تحت الحماية الكاملة لسلطة الدولة،وبذا صارت الإسكندرية قوة جذب عالمي ومقصداً رئيسياً للسفن القادمة من بحار العالم السبع.
وإذا نظرنا إلى الملامح الرئيسية لمحور قناة السويس الجديد لنا أن نرى ازدواجية في المرور بالقناة لمسافة 46 كيلو متر وهو الأمر الذي سيرفع من عائدات القناة ويقصر من زمن المرور بصورة ملموسة،كما أن تعميق القناة سيصل إلى عمق مستهدف مقداره 65 قدماً بعد أن بقى لسنوات طويلة في حدود 45 قدماً،الأمر الذي سيسمح بمرور سفن عملاقة لم يكن متاحاً لها الاستفادة من قناة السويس بالكامل وكذا إقامة أربع  موانئ وما يصاحبها من مناطق لوجيستية فضلاً عن 2مطار و6 أنفاق تربط شرق القناة بغربها وإتاحة ما يقرب من 16 ألف هكتار مناطق صناعية و3500 هكتار تمثل وادياً جديداً للتكنولوجيا بالإضافة إلى77 ألف هكتار لتصنيع الأسماك وتسويقها داخلياً وخارجياً.
كل هذه الأمور ستسمح بتحويل4مليون هكتار من الأراضي الجرداء إلى أراضى صالحة للزراعة وذلك بمد مياه النيل إليها ضمن مشروع سحارة المياه الذي تم تنفيذ90% منه في عصر سابق وتعطل استكماله لأسباب لم يفصح عنها.
وقبل أن نستفيض في المزايا الاقتصادية المنظور منها على المدى القصير والمتوقع منها على المدى المتوسط والبعيد،فلنا أن نسلط الضوء على بعض الأمور الإستراتيجية حتى لا تخطؤها العين في خضم التفاصيل الكثيرة التي يزخر بها المشروع .
بادئ ذي بدء فإن مصر الحضارة الممتدة بحضارتها عبر آلاف السنين استطاعت اليوم وهى وسط أحداث مؤسفة أودت بدول شمالاً وجنوباً،شرقاً وغرباً وألقت بها في آتون الإرهاب والعنف المضاد والذي طمس معه ملامح الدولة بالمفهوم المتعارف عليه . وبينما بدى العالم أن مصر قد باتت مستهدفة بالإرهاب الأسود في سيناء وغير سيناء أيضاً إلا أن النظرة العبقرية التي دعت بطليموس الأول آنذاك أن يصنع من الإسكندرية مركزاً للتجارة العالمية ألهم مصر اليوم أن تنشئ محورها الجديد بقناة السويس مغلبة التفاؤل على التشاؤم الذي خيم بظلاله على المنطقة فانتهت من إنشاء هذا المحور في زمن قياسي معتمدة على اقتصادها حتى تحرر هذا المحور من أي شراكة أجنبية وذلك بتمويل مصري أدهش العالم.
كما أن لهذا المشروع العملاق مستهدفه الهام في أنه يعتبر تجمع مصالح لجميع دول العالم خاصة تلك ذات الأساطيل البحرية وذات الباع المتميز في التجارة العالمية ليصبحوا شركاء معنا في تجمع للمصالح الماثلة على ضفة القناة والآخذة في التنامي بصورة مطردة،وبذا يصبح أمن مصر جزءاً لا يتجزأ من أمن العالم الحر،وفى تهديده تهديد مباشر لمصالحها.
فلاشك أن الأهمية النسبية لأمن مصر سترتفع لا محالة في نظر العالم بمفهومه العملي والتطبيقي،فمن من تلك الدول سيتقاعس في المشاركة العملية المباشرة لمساعدة مصر للقضاء على الإرهاب بدءاً من سيناء إلى ما بعدها.هذا المشروع يمكن اعتباره المقدمة العملية والفعلية لإعلان سيناء عما قريب منطقة خالية من الإرهاب.
أما من الناحية اللوجيستية فمن المعروف أن قناة السويس تربط شرق العالم بغربه من خلال ناقلات بحرية عملاقة وحاملات حاويات ضخمة تعبر المحيطات ولا تتوقف عند البحار الصغيرة مثل البحر الأبيض فلا تتوقف في موانيه المتعددة وتكتفي بالوقوف في ميناء برينديزى الايطالي فتنزل حاوياتها لتتلقفها سفن صغيرة توصلها إلى باقي موانئ البحر الأبيض،بينما تمضى السفن العملاقة إلى المحيط الأطلنطي عبر مضيق جبل طارق بعد أن تكون قد التقطت ما يخصها من حاويات تنتظرها في برينديزى وهو الميناء الذي توافق الشرق والغرب ليجعله الميناء اللوجستى الرئيسي في البحر الأبيض.
ولنا أن نتخيل أن في محور قناة السويس المنافس لميناء برينديزى ليكون الميناء اللوجيستى البديل الذي يخدم موانئ البحر الأبيض المتوسط وموانئ البحر الأحمر امتداداً لشواطئ أفريقيا والتنافس بين هذين الموقعين المتميزين سيحسم لصالح الميناء الأكثر تميزاً في تقديم الخدمات الملاحية مقاساً بسرعة زمن التفريغ والتحميل وكذا كفاءة تخزين البضائع وسرعة إعادة الشحن وكذا عدد البواخر المتعاملة معها.
 ويتوقع الخبراء أن يتبوأ محور القناة المرتبة الأولى في غضون 3-5 سنوات متفوقاً على منافسه الإيطالي ويتوقف ذلك على سرعة انجاز المرافق البحرية المصاحبة لهذا النشاط العملاق والذي لا شك سيزود بالمعدات الأكثر حداثة وتطوراً بالمقارنة بميناء برينديزى الأكثر قدماً ومعداته الأكثر تقادماً.
سيستلزم هذا النشاط إقامة العديد من المرافق العملاقة حوله مثل مناطق التخزين للحاويات وللبضائع وأيضاً إقامة الصوامع لتخزين الحبوب وكافة احتياجات السفن من وقود ومياه وزيوت وورش إصلاح وخدمات فنية وملاحية.
كما سيجتذب هذا النشاط أنشطة تكاملية مثل أنشطة التجميع،ولك أن تتخيل حجم وكلفة البضائع ذات المهيئات الحجمية مثل التلفزيونات والغسالات والثلاجات وغيرها إذا شحنت كبضائع كاملة بالمقارنة بها إذا شحنت كمكونات يتم تجميعها في وسائل تجميع بالمناطق الصناعية بالمحور ليعاد شحنها للموانئ المختلفة بمحيط البحر الأبيض وسواحل أفريقيا.
أضف لهذا الصناعات القائمة على التجزئة والتعبئة والتغليف مثل الحبوب والسكر والبن وغيرها عند إعادة تعبئتها في عبوات صغيرة يرقم عليها بيانات كل عميل ليعاد تصديرها من المحور للأسواق المستهدفة وكم في هذا من وفر في الكلفة يسميه خبراء الشحن”تكلفة نقل السائب بالمقارنة بالمعبأ في عبوات”.
فمن ذا من دول العالم يمكن أن يسمح ويتعايش مع فكرة وجود أي نوع من الإرهاب في سيناء على ضفاف قناة السويس وما يحويه محورها من استثمارات عملاقة يوحد بين مصالح الدول دون ثمة تعارض في واحدة منها.
وعما قريب سيجتمع زعماء العالم ليشهدوا الحدث الأجل بافتتاح هذا المحور العملاق بما يحويه من طموحات ممتدة ومتزايدة ،فتتجمع الرؤى والإرادات لتجعل من مصر محطاً للأنظار.فهي دولة عرف عنها وإن تناسى البعض أنها دولة تبنى ولا تهدم تسالم ولا تعادى تضيف ولا تنتقص..دولة قادرة على تحقيق طموحات تتخطى بها إمكانياتها المحدودة مرحلياً فتبنى بذلك إمكانيات جديدة،وشتان بين احتفال مصر بهذا الحدث وبين احتفال مصر الخديوية سابقاً بافتتاح قناة السويس والذي أثقل مصر بالديون فهناك فارق كبير في المعنى والمدلول.المستهدف هنا دولياً قبل أن يكون محلياً.فها هي مصر تعلو بسواعد أبنائها فلن يبنى مصر إلا المصريين.وشركاء النجاح لا ينجذبون إلا للحدث الأكثر نجاحاً وإبهاراً.  

Comments

comments