جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الطائرة الرئاسية في طريق عودته الى أنقرة من لفيف الأوكرانية لتطرح السؤال عن مدى قرب تطبيع العلاقات المصرية التركية ، ومدى استعداد تركيا لتلبية المطالب المصرية خاصة بعد ان قال الرئيس التركي في التصريحات الجديدة ان “العلاقات على المستوى الرفيع ليست في مكانها المطلوب حالياً …لنواصل العمل على المستوى الوزاري، ومن ثم نأمل أن نتخذ خطوة أخرى بأفضل الطرق نحو المستويات الأعلى … لأن الشعب المصري شعب شقيق ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه، لذا علينا ضمان الوفاق معه بأسرع وقت
هذه التصريحات وبنفس المضمون سبق أن قالها الرئيس التركي يوم الاثنين الموافق 28 يوليو الماضي ، وهو ما يؤكد أن تركيا تريد أن تأخذ العلاقات مع مصر نفس المسار التي سارت فيه العلاقات مع الامارات والسعودية حيث زار أردوغان الامارات في فبراير الماضي بينما قام بزيارة الى المملكة العربية السعودية في أبريل هذا العام قبل أن يقوم سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة لأنقرة قبل عيد الأضحى المبارك ، وسبق للشيخ محمد بن زايد أن زار تركيا في 24 نوفمبر الماضي
لكن هل مسار العلاقات المصرية التركية أصبح ممهداً على غرار المسارين الإماراتي والسعودي ؟ وما هي الدوافع وراء طلب أردوغان لتطبيع العلاقات مع القاهرة ؟ وما هي الأوراق التي تريدها القاهرة قبل إعلان التطبيع الكامل مع أنقرة ؟ وكيف هي الكوابح والعوائق التي تعرقل هذه العودة للعلاقات بين مصر وتركيا ؟
دوافع للمصالحة
أولاً : نجاح مسار المصالحة التركية مع المملكة العربية السعودية والامارات وهم حلفاء لمصر يشجع القاهرة وأنقرة على تجربة نفس المسار رغم أن القضايا والحساسيات والمصالح مختلفة وعميقة
ثانياً : تحسن العلاقات التركية مع أطراف أخرى عربية أو غير عربية يقنع القاهرة بأن توجه أنقرة نحو المصالحة هو توجه جاد ، فتركيا التي عانت من العداء للجميع تحاول أن تتبني ” مقاربة جديدة ” لتحسين العلاقات مع الجميع بما فيها العلاقات التركية السورية ، والتركية الأرمنية ، والتركية الإسرائيلية
ثالثاً : صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها تركيا ، ومخاوف أردوعان من استفادة المعارضة من هذه الأوضاع الصعبة خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية العام القادم
رابعاً : رغبة أردوغان من حرمان المعارضة من ورقة ” المصالحة مع مصر ” فجميع الشخصيات المحتمل ترشحها للرئاسة التركية تتبني خيار ضرورة التصالح والتقارب مع مصر ، كما أن الرأي العام التركي يتفق مع ضرورة العودة للعلاقات المصرية التركية
خامساً : رغبة أردوغان في الاستفادة من اغلاق بعض القنوات الاخوانية في تركيا ، واستثمار ذلك في التقارب مع مصر ، والحصول على مقابل هذه الخطوة في ملفات جديدة
سادساً : رفض مصر خلال توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية اليونانية استغلال فترة الخلافات مع تركيا لتعطي اليونان حقوق مائية مختلف عليها بين أثينا وأنقرة ، وهو الامر الذي تنظر اليه الدوائر التركية بإشادة كبيرة وتدفع نحو تحسين العلاقة مع القاهرة
سابعاً : التقارب المصري القطري ، حيث يمكن لقطر أن تلعب دور المحفز لتركيا حتى تتصالح مع مصر على غرار التحفيز الذي يمكن أن تقوم به الامارات والسعودية لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة
ثامناص : تراجع وتيرة الصراع واحتمالات الحرب الأهلية في ليبيا ، لان الصراع بالشكل القديم الذي كان في 2019 و2020 كان يمكن أن يؤدي لصدام مباشر بين مصر وتركيا على الأراضي الليبية ، لكن اليوم مع رغبة الجميع للعمل وفق السيناريوهات السلمية ، وتغير المعادلات بين الشرق والغرب والجنوب الليبي تراجعت بقوة احتمالات الصراع بين المجموعات الاخوانية المدعومة من تركيا في ليبيا مع باقي الأحزاب والقوى السياسية والعسكرية ، وهو ما يخلق مساحة للعمل وساحة من الهدوء تمهد لتقريب وجهات النظر بين تركيا ومصر
عراقيل تؤجل التصالح المصري التركي
أولاً : ما يزال الدعم التركي لتنظيم الاخوان هو الأكبر عالمياً بشهادة الجميع ، فاكبر تجمع لقادة وكوادر الاخوان هو الان في تركيا رغم أن أنقرة أوقفت بعض المنصات الإعلامية فقط بينما منصات أخرى ما زالت تعمل
ثانياً : العمل ضد مصر في المنتديات والاجتماعات الدولية ، فحتى منتصف عام 2022 تعمل تركيا ضد الترشيحات المصرية في المناصب الدولية ، وتحشد للأطراف المناوئة للمصالح المصرية
ثالثا : لا يوجد أي تحسن في الموقف التركي حول ليبيا في مختلف القضايا ومنها
أولاً : لا تزال تركيا تتمسك باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة فايز السراج في27 نوفمبر 2019 ، وهذا أكبر عائق لتطبيع العلاقات المصرية الليبيةن لان تركيا تتخذ من هذه الاتفاقية ذريعة للتغول على مساحات واسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط ، وخلال كل الاحاديث التركية لم تنظر تركيا بعين إيجابية لهذا الملف خاصة خلال جولات المحادثات الاستكشافية التي جرت بين البلدين في مايو وسبتمبر 2021
ثانياً : الدعم التركي لإخوان ليبيا بلا شروط ، ولا تزال تركيا المحرك الأول للصراع بين طرابلس والشرق ، وحال تبني تركيا مقاربة إيجابية سوف تحدث المصالحة بين الليبيين فوراً ، فمصر وكل الليبيين يعلمون أن العقبة التركية هي العقبة الوحيدة أمام الحل الليبي بالدعم التركي الكامل وغير المشروط للقيادة المتشددة في المجلس الأعلى في ليبيا الذي يقوده الاخوان
ثالثاً تركيا هي المصدر الوحيد للسلاح والمرتزقة في غرب ليبيا ، ولو توقف هذه السلاح ربما كان الحل الليبي جاء منذ فترة طويلة ، وخير شاهد على استمرار هذا الدعم ضبط البحرية الاوربية ” اريني ” الشهر الماضي سفينة تحمل السلاح والذخيرة وهي في طريقها للمرتزقة والإرهابيين في غرب ليبيا
رابعاً : لا تزال التحركات التركية في جنوب ليبيا ومحاولة استمالة القبائل هناك خاصة أجزاء من قبائل التبو ، وربطها بالنفوذ التركي في منطقة وسط إفريقيا ، ما تزال تقلق القاهرة بقوة ، ويعد هذا مؤشر بأن تركيا سوف تستمر في الاستثمار في الورقة الليبية حتى لو عطلت التصالح مع مصر
خامساً : تصر تركيا أن تكون من أكبر المصادر لتزويد اثيوبيا بالسلاح وخاصة الطائرات المسيرة ، كما أن تعاون تركيا مع اثيوبيا في اتفاق حماية سد النهضة ما يزال يلعب دوراً كبيراً في التعنت الاثيوبي في ملف المياه ، وخلال اخر زيارة لرئيس الوزراء الاثيوبي أبي احمد لتركيا شهد البلدين تشديداً على الجانب العسكري من التعاون بين أديس أبابا وأنقرة ، ولا يتوقع من تركيا أن تتنازل عن دورها في اثيوبيا من أجل التصالح مع مصر
سادسا ً : عسكرة الصراعات، فحتى الان لم تتخلى تركيا عن عسكرة الصراعات والخلافات مع الاخرين رغم أن الخطاب الإعلامي والسياسي بات أكثر ليونة ، فهي تصر على العملية العسكرية التركية في سوريا ، وعملياتها العسكرية في شمال العراق تزعج الجميع ، ودعمها العسكري لأذربيجان لم يتوقف ، وتهديداتها العسكرية ضد قبرص واليونان باستمرار البحث عن الغاز والنفط شرق المتوسط تحت تهديد السلاح مستمرة
سابعا : التمسك بالأفكار القومية، فقصة الخريطة التركية التي تشمل دول مستقبل وذات سيادة مستمرة والتي تبدأ بالقرم شمالا وحتى الصومال وأرتيريا مروراً بالحدود الشرقية مع الصين وحتى غرب البلقان، وكل هذا يقول للجميع أن كل التصريحات التركية تتم تحت ضغوط الازمة الاقتصادية وقرب الانتخابات ، وأنه بعد تجاوز تلك الازمات لن تعدل تركيا من سياستها
سيناريوهات
السيناريو الأول : تبريد الصراعات دون حل
ويقوم هذا السيناريو على أن تركيا غير مخلصة في التصالح مع مصر ، والدليل على ذلك كل العوائق السابقة حول الاخوان وليبيا واثيوبيا وشرق المتوسط وغيرها ، لكن تركيا تريد ” تبريد الصراعاتط والحفاظ على مصالها الحالية لحين تجاوز الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، والتغلب على مشاكلها الاقتصادية ، وتقسيم الجبهة المناوئة لها في المنطقة العربية لها بالتصالح مع الامارات والسعودية ، وبقاء الأوضاع كما هي عليها الان ، ونسبة هذا السناريو 40 %
السيناريو الثاني : المشاورات الاستكشافية والسيناريو اليوناني
ويقوم هذا السيناريو على أن تركيا تقوم باطلاق بعض التصريحات الإيجابية حول مصر دون أن تتحرك بإيجابية على أرض الواقع ، و هذا السيناريو لصالح تركيا ، لأنه يقول لحلفاء مصر الإقليميين خاصة الامارات والسعودية بأن تركيا تريد المصالحة ، وتستطيع تركيا الاستفادة من علاقاتها مع الرياض وأبو ظبي ، وفي نفس الوقت تضمن عدم تحرك القاهرة ضدها في بعض الملفات مثل الملف الليبي وشرق المتوسط ووقف الاعلام المصري والعربي من مهاجمة تركيا وأردوعان ، وأفضل ما يمكن أن يصل الية هذا السيناريو هو مزيد من المشاورات الاستكشافية على غرار ما حدث عام 2021 ، وهو سيناريو قامت به تركيا مع اليونان منذ عام 2003 ، وتم خلاله نحو 70 جولة من الجولات الاستكشافية دون أي اختراق حقيقي ، ونسبة هذا السيناريو 30 %
السيناريو الثالث : التطبيع الجزئي
ويقوم على أن تتصالح القاهرة وأنقرة في الملفات التي يمكن التوصل لتوافق عليها بما يسمح بمزيد من اللقاءات والمقابلات على مستوى أعلى من وزراء الخارجية حتى تكون هذه المقابلات والمستوى الأعلى الذي تحدث عنه أردوغان فرصة لحل المشاكل العالقة والمعقدة ، ونسبة هذا السيناريو 20 %
السيناريو الرابع : التطبيع الكلي ” الامارات والسعودية وإسرائيل
”
وهو على غرار ما قامت به تركيا مع إسرائيل والسعودية والإمارات ، بحيث يتضمن ما يشبه ” اتفاق المبادئ ” الذي يكون النواة والقاعدة التي يتم حل كل الخلافات حولها سواء تلك التي تتعلق بالإخوان او ليبيا أو اثيوبيا أو شرق المتوسط ، ونسبة هذا السيناريو نحو 10 %